النهار

جدل الذاكرة وتروما الانفجار ومشهدية الأهراءات... انهيار الصوامع الجنوبية مسألة وقت
روزيت فاضل
المصدر: "النهار"
بقاء الصوامع الجنوبية منوط بقرار سياسي غير متوفر إلى الآن
جدل الذاكرة وتروما الانفجار ومشهدية الأهراءات... انهيار الصوامع الجنوبية مسألة وقت
الإهراءات كما بدت من نافذة في الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ. (تصوير نبيل اسماعيل).
A+   A-
يحذو قرار الإبقاء على صوامع الجهة الجنوبية من الأهراء أو هدمها حذو العراقيل التي تحول دون سير العدالة والمحاسبة، في التحقيق المحلي لجريمة مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
 
باختصار: بقاء الصوامع الجنوبية منوط بقرار سياسي غير متوفر إلى الآن لأسباب عدة أهمها:
- تراجع وزير الثقافة محمد وسام المرتضى في 26 آذار 2022 عن قرار إدراج الصوامع الشرقية قبل سقوطها والجنوبية على لائحة الجرد العام للأبنية الأثرية.
- تلميح وزير الأشغال العامة علي حميّة في تصريحاته مراراً إلى ضرورة استثمار كل شبر من المخطط الهندسي للمرفأ، ما يحمل في كلامه عدم تمسّكه ببقاء الصوامع.
- خبر بناء أضخم مجسّم ومتحف قبالة مرفأ بيروت بواسطة النحّات رودي رحمة، الذي نحترم، شكّل لبعض الناس مؤشراً غير مباشر لهدم ما بقي من الأهراء.
 

المرفأ. (نبيل اسماعيل)
 
ماذا في التفاصيل؟
أكد مساعد عميد كلية الهندسة في جامعة بيروت العربية البروفسور يحيى تمساح أن "المجموعة الجنوبية من الصوامع ما زالت ثابتة، ولم يطرأ إلى الآن أي تغيير عليها بعد انفجار 4 آب 2020 أو الحريق اللاحق، خلافاً للمجموعة الشمالية التي ازدادت حركتها بعد الانفجار وصولاً إلى الحريق وعوامل أخرى، ما أدى إلى انهيارها".
وقال إنه تم تجميع أنقاض الصوامع الشمالية المنهارة والمتضمّنة بقايا الحبوب داخل باحة مجاورة للصوامع الجنوبية، ما أدى الى استمرار تحلّلها بفعل الحرارة والرطوبة العالية، وتسبّب بانبعاثات غازية ذات روائح كريهة، مشيراً إلى أنه "قد تكون له تداعيات صحية على القاطنين في المناطق المجاورة نتيجة الفطريات المنتشرة في الهواء".
وأبدى خشيته من إهمال العمل على تفريغ بقايا الحبوب المحتجزة داخل الصوامع الجنوبية محذراً مرة أخرى من "الارتفاع الكبير للحرارة خلال الصيف، ما يزيد من مخاطر اشتعال حرائق تؤدي إلى إضعاف بنيتها الإنشائية وانهيارها كما حدث للمجموعة الشمالية".
وأعرب عن أسفه لغياب أي مرجعية رسمية معنيّة باتخاذ قرار إنقاذ الصوامع الجنوبية من خلال العمل على خطة تفريغ الحبوب من داخلها وصولاً إلى تدعيمها بالطرق المناسبة.
وختم بتأكيد أهمية الحفاظ على الصوامع التي ما زالت قائمة - الشاهد الصامت على الكارثة الإنسانية التي وقعت - وتجسّد بأصدق صورة المأساة، جازماً بأن لا نصب تذكارياً آخر أصدق تعبيراً وواقعية عن معلَم يتضمّن ما بقي من الصوامع.
 
من جهته، أكد رئيس قسم الكيمياء في كلية العلوم في جامعة القديس يوسف البروفسور شربل عفيف أنه تمت إزالة حبوب القمح قدر الإمكان مع الإبقاء على قسم منها في كل من الأهراء وخارجها تفادياً لتعريض السلامة العامة لأي من العمّال. وأضاف أن "عملية تخمير الحبوب المتراكمة في الصوامع بكمية كبيرة، ترجّح استمرار الرائحة النتنة التي يشكو منها البعض، والتي تعود لرائحة القمح العفن أو لرائحة المواشي المستقدمة إلى المرفأ".
وقال إننا "نشم رائحة نتنة عندما يكون مسار الرياح متجهاً الى داخل المدينة، وهذه الرائحة تنتشر على مساحة نحو كيلومترين من المكان".
 
المرفأ. (نبيل اسماعيل) 
 
مرفأ عصري
في الجانب النضالي أيضاً، عرضت المهندسة المرمّمة نتالي شاهين لـ"النهار" لمراحل عمل الحملة التضامنية لحماية أهراء مرفأ بيروت وهي تضم كلاً من جمعية أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، أهالي شهداء فوج إطفاء بيروت، تجمع 4 آب، أهالي ضحايا وشهداء المرفأ، تجمع سكان الأحياء المتضررة من تفجير 4 آب، نقابة المهندسين في بيروت، مختبر المدن بيروت – الجامعة الأميركية، المفكرة القانونية، استديو أشغال عامة، استديو تخطيط المدن وتنمية المواقع التراثية، تجمع 25 خبيراً في التراث، والمركز العربي LIVELOVEBEIRUT للعمارة، إعلان بيروت العمراني، مدينتي، مبادرة العدالة الاجتماعية MAAN، مشيرة إلى أن هدفها "إسقاط مشاريع القوانين بصفة العجلة المطالبة بعدم هدم الأهراء وحمايتها المرفوعة من مجلس النواب السابق ولا سيما من القوات والكتائب والتغييرين التي لم يتم التصديق عليها بسبب رفع الجلسة النيابية عند الوصول إلى هذا البند، ما أدّى إلى إعادتها إلى اللجان النيابية".
 
وذكرت أن "الحملة تواصلت مع جمعيات عالمية معنيّة بالمحافظة على التراث شددت عبر رسائل متبادلة بين الجانبين على ضرورة المحافظة على هذا المعلم"، وأوضحت أن "هذه الجمعيات الدولية بادرت إلى مراسلة رئاسة الوزراء وجهات رسمية عدة مطالبة إياها بالمحافظة على هذا المعلم لأهميته الرمزية أسوة بما جرى في هيروشيما وناغازاكي وسواهما دون تلقيها أي جواب من الرئيس نجيب ميقاتي أو أي مسؤول رسمي من الدولة".
 
نقيب المهندسين السابق في بيروت جاد تابت كشف لـ"النهار" عن تفاصيل المخطط الهندسي لتوسيع المرفأ الذي يدعمه البنك الدولي بجهود فريق من خبراء هولنديين من مرفأ روتردام ومكتب رفيق خوري للهندسة، والذي لم تتبنَّه الدولة اللبنانية بعد، مشيراً إلى أن "المخطط هو أشمل من الإبقاء على الأهراء، بل يلحظ الانفتاح على المدينة من خلال ربط كل من الحوض الأول والثاني معها من خلال توفير خدمات متنوّعة لبيروت وناسها".
 
وقال إن "المنطقة بين الحوض 2 و3 ستلحظ منطقة خاصة للذكرى وفيها تقع الصوامع، ونحن نتمسّك ببقاء الأهراء فيما نرفض أي نُصُب تذكاري ليحل مكانها".
وعما إن كان من الممكن إدراج الصوامع الجنوبية على لائحة التراث العالمي كما الحال مع معرض رشيد كرامي الدولي، اعتبر أنه "يمكن إعداد هذا الملف بناءً على طلب الدولة، التي لم تبادر إلى ذلك".
 
أما المؤسِّسة المشاركة في مختبر المدن بيروت – الجامعة الأميركية منى فواز فقد أشارت في اتصال مع "النهار" إلى أن الدراسة الوحيدة التي يعوّل عليها للمرفأ، هي ما قدّمه الفريق الاستشاري الهولندي ورفيق خوري باستشراف واقع المرفأ ومستقبله لأعوام طويلة. وقد لحظ النهج التطويري لهذا التخطيط انفتاح قسم من المرفأ على المدينة لخلق فرص عمل للشباب على أساس التكامل لا التنافس، مع تمسّكها بمنطقة تذكارية مهمة للذاكرة الجماعية.
 
المرفأ. (تصوير نبيل اسماعيل) 
 
الاستفتاء والذاكرة
إن كانت أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية البروفسورة ريتا الشباب ذكرت لـ"النهار" أن بقاء الصوامع يسهم في معالجة الصدمات لأن إزالتها تشكّل وفقاً للدراسات مصدراً لانتقال الاضطرابات النفسية من جيل إلى آخر، والمكان يشكّل مرجعاً مهماً للجيل الناشئ لتحذيره من تداعيات أي سلوك عنفي على حياة الإنسان، فإن مؤلف كتاب "بيروت بيروت" إدي شويري يرى في حديث لـ"النهار" أن الدول المتحضرة تلجأ الى استفتاء شعبي للوقوف عند رأي الناس في قضية ما أو مسألة ما، وهذا ما يجب التقيّد به لمعرفة مصير الصوامع الجنوبية، والانقسام في الرأي بين مؤيّد ومناهض لبقائها لا تحسمه إلا نتائج هذا الاستفتاء.
 
Twitter:@rosettefadel

اقرأ في النهار Premium