النهار

معركة خارج المحاكم... النضال من أجل حقيقة 4 آب مستمرّ
رنا حيدر
المصدر: "النهار"
معركة خارج المحاكم... النضال من أجل حقيقة 4 آب مستمرّ
من قداس لراحة أنفس الضحايا في كنيسة مار جرجس. (تصوير حسام شبارو)
A+   A-

تحت عنوان "التحقيق في انتظار المحطّة المقبلة"، أقامت "المفكرة القانونية" حول ظروف التحقيقات في قضيّة انفجار 4 آب في ظلّ نظام الإفلات المتعمّد من العقاب والتأثيرات الخارجية على التحقيق وذلك مع دخول الفاجعة عامها الثالث.

حضر اللقاء كلّ من النائب ملحم خلف، المحامي والمدير التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغية، رئيسة جمعية ضحايا الانفجار وشقيقة الضحيّة غايا فادوليان، ماريانا، ووالد الضحيّة ألكسندرا نجّار بول، بالإضافة الى مدير مبادرة العدالة الاجتماعية أحمد مروّة.

 

وفي حديث لـ"النهار"، أكّدت المحامية وميسّرة الندوة غيدة فرنجية أنّ "المفكرة القانونية تعمل طوال العام على متابعة التحقيق ونشر المعلومات القانونية والتحليلات حول العقبات التي يواجهها الملف، كما شكّلت هذه الندوة لقاءً سنوياً لفتح المجال للمتابعين في ملف التحقيق، وهي مناسبة لمراجعة التطوّرات القانونية والاجتماعية خلال السنة المنصرمة ومناقشتها وإطلاع الرأي العام عليها، فضلاً عن البحث في الحلول الممكنة".

وأجمع المتحدثون والمتحدثات على ضرورة إزالة العراقيل أمام عمل المحقق العدلي والمطالبة بإنشاء لجنة تقصّي حقائق من قبل مجلس حقوق الإنسان.

 
 
 

يُذكر أنه في 11 آب 2020، قرّر مجلس الوزراء إحالة القضية أمام المجلس العدلي، وهو محكمة جزائية استثنائية لا تنظر في الجرائم إلا في حال إحالتها بقرار مجلس الوزراء لأنّ المحقق العدلي لا يُعيّن إلّا بعد إحالة القضيّة وهي غير مرتبطة بالقضاء العادي أو العسكري، ويُعدّ المجلس العدلي محكمة مشكلّة بقرار سياسي، ويعيّن وزير العدل القاضي الذي يتولى التحقيق.

 

زجّ الملفّ ضمن تجاذبات سياسية

من جهته، أكّد النائب ملحم خلف أنّ عدم وجود أي تطوّرات في هذا الملف هو ما أجبره الى جانب النائبة نجاة صليبا على الخروج من البرلمان بعد 150 يوماً للمطالبة بالعدالة، وتطرّق خلف الى الأسباب العديدة التي أسهمت في تعطيل مسار التحقيقات، والتي قسمّها بين الأسباب الداخلية والخارجية.

ولفت خلف الى أنّ أبرز العقبات التي واجهها الملف في الداخل هي زجّه ضمن التجاذبات السياسية، خصوصاً بعد تدخّل سياسيين أدّى الى عدم احترام القضاء بسلطته الموضوعية والتطفّل في عمله، ما أسهم بتعطيل عمل المحقق العدلي في القضية وعدم الاستماع له، وصولاً الى تأجيل الجلسات التي دعا إليها القاضي طارق البيطار، الأمر الذي يُعدّ نكسة للقضاء وعمله.

 

وبحسب خلف فإنّ العقبات الداخلية تقسّم كالتالي:

– تعطيل مقام النائب العام، الذي لم يؤدِّ دوراً أساسياً في قضية انفجار المرفأ.

– التشكيك في رؤساء الضابطة العدلية وعدم الاستماع لقرارات المحقق العدلي.

– عدم إتمام تشكيلات الهيئات القضائية.

– التعسّف في استخدام الحقّ وتغيير نهج المساءلة.

 

أما على المستوى الخارجي فأشار خلف الى أنّ رفض تزويد لبنان بصور الأقمار الاصطناعية يطرح تساؤلات عدّة، خصوصاً أنّ التحقيق بحاجة ماسّة لهذه الصور، ولا سيما أنّ صور يومَي الثالث والخامس من آب متاحة، لكن في 4 آب تحديداً تعطّلت، الأمر الذي يثير الريبة.

 

وكشف خلف أنّه حين أرسل نقيب المحامين رسائل عدّة الى الأمين العام للأمم المتحدّة أنطونيو غوتيريش مطالباً إيّاه بتدابير تخصّ الملف، لكن هذا الأخير امتنع عن الردّ، وأجاب موجّهاً رسالة الى النقيب الجديد تضمّنت ثلاثة أسطر فقط، ما يضعنا أمام معضلة ألا وهي "غياب التضامن الدولي في هذه القضية".

 

وأكّد خلف التمسّك بالقضاء اللبناني "لأن القضاء هو من يصنع الوطن ولا سيما مع ممارسة ضغط دولي لإطلاق سراح أحد المدعين عليه، ولأننا أمام تحدٍّ كبير وسط تخلّي المجتمع الدولي عن القضية، مع ازياد الشكوك حول التقارير الأجنبية التي حضر من أجلها خبراء بريطانيون و31 خبيراً فرنسياً من دون وضع أي تقرير داخل الملف".

 

 

قضيّة بلد

من ناحية أخرى، رفع والد الضحية ألكسندرا، بول نجّار، الصوت معتبراً أنّ السلطة السياسية تتعامل مع هذا الملف وكأنّ شيئاً لم يكن، مؤكداً أنّ "ما جعلنا نستمر هو التضامن معنا بالرغم من تراجعه وسط تفاقم الأزمات، لكن علينا أن نذكر أنّ هذا الملف هو قضية بلد وعلينا تحقيق العدالة كي أنظر الى صورة ابنتي وأشعر بأننا أنجزنا شيئاً ما لها وللضحايا، هي التي دُفنت في هذه المدينة، التي لن نغادرها قبل تحقيق تطوّرات على صعيد التحقيقات ومحاسبة المجرمين".

 

شقيقة الضحية غايا فادوليان، ماريانا، رفعت الصوت أيضاً وقالت إنّ "المشاركة الكبرى في الجريمة كانت مع إطلاق سراح الموقوفين في القضية، فهم يتعاملون معنا كأننا أرقام أو حشرات، وهذا الأمر يتجلى في قمعنا خلال تظاهراتنا والادّعاء علينا، وربما اللافت كان طلب أحد القضاة من مرافقيه "بتكنيسنا من قدامو" خلال وقفتنا، لكن كأهالي ضحايا نعمل تحت القانون بالرغم من اتهام القاضي عويدات لنا بأننا مسيّسون، فإن مسيرة النضال للمحاسبة مستمرّة وسنكمل، ليس للضحايا فحسب بل أيضاً لجميع المتضررين".

 

انقلابات على العدالة

من جهته، رأى المحامي نزار صاغية أنّ التآمر والانقلاب على القاضي بيطار أدّيا الى اغتصاب السلطة، مضيفاً أنّ "الحقيقة بعيدة عن هذه التكهّنات، وما نشهده اليوم هو تدمير ممنهج للقضاء اللبناني".

 

وتشرح "المفكرة" في عددها الـ69 أنّه "بعد تجاوز عويدات صلاحياته منع جميع الأجهزة الأمنية من تنفيذ قرارات بيطار، كما أطلق سراح جميع الموقوفين وادعّى على القاضي بيطار بجرم الاستيلاء على السلطة".

في المقابل، كيف انقلبت القوى السياسية على القضاء؟

 

"تبعاً للقرار الصادر عن المحقق العدلي طارق البيطار بالادّعاء على النائب العام التمييزي غسان عويدات في جريمة تفجير المرفأ، انقلب هذا الأخير على السلطة القضائية برمّتها من خلال:

– تراجعه عن تنحّيه عن قضية تفجير المرفأ خلافاً لقرار صادر عن محكمة التمييز في تاريخ 19/12/2020.

– اتخاذ قرار بإطلاق سراح جميع الموقوفين الـ17 في القضية المذكورة من دون أن يكون له أيّ صلاحية في هذا الخصوص.

 

– الادّعاء على المحقّق العدلي بجناية اغتصاب السلطة ردّاً على ادّعاء هذا الأخير عليه، مصدراً بحقّه مذكرة جلب وقرار منع سفر. وقد برّر عويدات هذا القرار بأنّ المحقّق العدلي مكفوفة يده بموجب دعاوى الرّد المقدّمة ضدّه، ما يجعل أي ممارسة له لسلطة التحقيق بمثابة اغتصاب للسلطة. وتجدر الإشارة هنا الى أنّ ثمة استحالة لبتّ دعاوى الردّ بعدما قدّم بعض طالبي الردّ دعوى مخاصمة ضدّ الدولة على خلفية أعمال رئيس الغرفة الناظرة فيها، ما يؤدي الى كفّ يده هو الآخر عملاً بالمادة 751 من قانون أصول المحاكمات الى حين بتّ الهيئة العامّة لمحكمة التمييز في هذه الدعوى. وتتأتّى الاستحالة من كون الهيئة العامّة لمحكمة التمييز عاجزة عن الانعقاد بفعل تعطيل نصابها بعد تقاعد غالبية أعضائها من دون إصدار مرسوم تشكيلات بتعيين بدائل منهم بقرار سياسي، وبناءً على ذلك عاد المحقّق العدلي ليُرجئ في 6 شباط 2023 جلسات الاستماع للمدعى عليهم الى أجل غير مسمّى".

 

 

اقرأ في النهار Premium