لينا إسماعيل
لم يكن أمس مقام السيدة مريم في بشوات محجّاً للمؤمنين فقط، بل جسراً للّقاء ومظلّة للعيش المشترك، حيث كانت تُتلى صلاة مشتركة في أفواه المسيحيّين كما المسلمين، إكراماً للأم السماوية سيدة بشوات وسؤالها التّشفّع بلبنان والشرق، ومنحه السّلام والمقدرة على الغفران والمصالحة والشجاعة على تعميق الصداقات والعمل على تطهير الذاكرة من كلّ ما لا يُشبه الله.
بدعوة من رئيس أساقفة أبرشية بعلبك - دير الأحمر المارونية المطران حنا رحمة، تجلّت في هذه الأمسية صورة الشعب الواحد، وقد شارك فيها مفتي محافظة بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، المدبّر البطريركي على أبرشية بعلبك للروم الكاثوليك المطران أدوار جاورجيوس ضاهر، رئيس جمعية "بترا" الإيطالي جوليو أنكونا، وتخلّله زياح وتراتيل مريمية لجوقة "أخويات طلائع العذراء"، في حضور رئيس بلدية بشوات حميد كيروز، ورؤساء بلديات ومخاتير، وفاعليات دينية ومؤمنين.
عقب كلمة الخوري طوني رحمة، تحدّث المفتي الرفاعي باسمه وباسم مفتي بعلبك والبقاع الشيخ خليل شقير، آملاً أن يتجاوز الشع اللبنانيّ الصراعات بين المذاهب وداخلها، والاجتماع لمواجه موجات الإلحاد والعلمانية وهدم الأسرة والقيم الإنسانية.
وأضاف أنّه "لا يمكن لأهل الدين إلّا أن يجتمعوا في مواجهة هذه الردة التي تريد أن تهدم الدين، ولا بدّ لأهل القيم إلّا أن يجتمعوا لمواجهة هذه الهجمة التي تُريد أن تهدم كلّ القيم، فتحت بشوات اليوم يديها وقلبها واستقبلت أخوتها المسلمين، وهذا شيء طبيعي، ولبنان المشترك يطالبنا اليوم أن نجتمع وأن نتوحّد، وأن نركّز على المشترك، وأن نؤكّد خصوصية هذا التنوّع، وأنّ لبنان يستطيع أن يسعنا جميعنا، ويستطيع أن يشكّل رسالة دائمة للقريب والبعيد".
وسأل المطران ضاهر الأم السماوية السيدة العذراء الصلاة لأجل الجميع في لبنان الذي يمرّ حالياً في أزمات على أكثر من صعيد، وعلى فوهة بركان، وخلاصه بأعجوبة، "فنرجو الله بشفاعة والدة الإله، أن يُحقّق لنا هذه الأمنية، نحن الخطأة... كوني دوماً معنا يا مريم، وساعدينا على العمل بما يأمرنا به ابنك، والقيام به أحسن قيام، الآن وكلَّما وأينما دعانا الواجب".
وطلب المطران رحمة باسم المجتمعين بصوت واحد من العذراء مريم "التي نؤمن بها ونؤمن بأنّها حاضرة لكي تتشفّع لنا، وتتوسّط مع ربّنا لكلّ خير وسلام ومحبة للبنان، لأنّ وضع لبنان لا يطاق، الناس مقهورة ومذلولة، وتشعر أنّها في خطر. ونحن علينا أن نصلي لأجلهم".
ودعا إلى "عقد لقاء يكون فيه حوار بالعمق والفهم، والاستعداد لنقول للقاصي والداني أنّنا نمتلك إرادة العيش الواحد مع بعضنا البعض، لسنا مختلفين ولسنا متصادمين مع بعضنا. فلا مشكلة في الدين وجوهره، ولكن المشكله في الذين يستعملون الله والدين والطائفة والمناطقية خدمة لمصالحهم، ليس لديهم حق، وليس معهم حق، الحق في ذلك هو لله. فلنصلي سويّاً مع بعضنا البعض من أجل إحلال السلام والوئام في وطننا لبنان".
من جهته، روى أنكونا اختبار ظهور مريم عليه، وتواصلها معه، مؤكّداً أنّ "العذراء طلبت منه إيصال رسالتها بتحقيق السلام ونشر المحبة بين اللبنانين ومساعدة المحتاجين، ولديه هو وأصدقائه كلّ الأمل والإيمان والثقه بأنّ العذراء ستطلّ على لبنان، وستوقف الشرّ والانقسامات والحقد والخلافات، وأن نعمق معرفتنا بمريم من خلال الإنجيل والقرآن".
وبعض ما جاء بالصلاة المشتركة: "اللهمّ ربّنا وربّ كلّ شيء، أيها الإله العظيم، مرسل جبرائيل بالبشارة إلى سيدة نساء الجنة والأكوان مريم البتول، أمتك الوضيعة على مرّ الدهور والأزمان، أنت الإله السميع المجيب، الهادي، الرحيم والرحمٰن، إلهنا نسألك أن تحببنا إليك (...) اللهم إننا برحمتك نستغيث، فأغثنا واصلح لنا شأننا كله، وشأن حكامنا والقائمين على أمورنا، وشأن وطننا وكلّ من سكن أرضه من مسلمين ومسيحيّين، نسألك كما اصطفيت العذراء مريم وفضّلتها على نساء العالمين، أن تصطفي لبنان بمسيحيّيه ومسلميه، وتجعله رسالة إلى كلّ بلاد العالم".