افتتحت وزارة الصحة العامة بالتعاون مع اليونيسف والوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وبمؤازرة من عدد من الشركاء الدوليين والمحليين، المبنى الجديد لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي – الكرنتينا، ولفت وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض إلى أن "أهم ما يرمز إليه هذا الحدث هو إعادة بناء المؤسسات التي تخدم المجتمع وتضمن وصول أفراده إلى رعاية صحية عالية الجودة".
وكان انفجار مرفأ بيروت قد دمر مبنى قسم الأطفال بالكامل وتسبب بأضرار بالغة بمبنى جديد للمستشفى كان على وشك الانتهاء. وانطلقت أعمال الترميم في شهر آذار 2021 بدعم من فرنسا، من خلال الوكالة الفرنسية للتنمية بمبلغ قيمته مليونا يورو. وقد باتت سعة المبنى الجامعي الاستشفائي المكون من أربع طبقات مئة سرير، من بينها ثمانون سريراً مخصصاً للأمهات والأطفال. ومع إنجاز إعادة البناء والترميم، سيتمكن المستشفى من خدمة حوالى 500999 من الفئات الأكثر هشاشة في بيروت وضواحيها بما في ذلك 150 ألف طفل، إضافة إلى استقبال نحو 2000 حالة طوارئ لحديثي الولادة والأطفال المعرضين للخطر، كما سيؤمن حصول أكثر من 25 ألف استشارة طبية للأم والطفل سنوياً.
جرى حفل الافتتاح برعاية الأبيض وحضوره إلى جانب وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، النائبين غسان حاصباني ونديم الجميل، ممثل قائد الجيش العميد الركن عماد خريش، المستشار الأول في السفارة الفرنسية جان فرنسوا غييوم، ممثل اليونيسف في لبنان إدوارد بيجبيدر، ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان عبد الناصر أبو بكر، مديرة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان أسمى قرداحي، رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم، مديرة مستشفى الكرنتينا كارين صقر ورئيس مجلس الإدارة الدكتور ميشال مطر، حشد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية وممثلين لمنظمات دولية وأممية وجمعيات أهلية وعدد من أطباء المستشفى وموظفيه.
وألقى الابيض كلمة قال فيها: "4 أب 2020 يوم ترك في ذاكرتنا ووجداننا أثراً عميقاً وجرحاً أليماً لم يندمل، ولن تتمكن الأيام والسنون من شفائه. دعونا أول ما نستذكر، نستذكر الضحايا الشهداء، نقف إجلالاً لهم، ومنهم زميلات وزملاء لنا في الصفوف الأمامية، سقطوا وهم يلبّون نداء الواجب، وسقطت معهم، في ذلك اليوم العصيب، عدة من مستشفياتنا، ومنها هذا المستشفى الذي نجتمع فيه اليوم".
أضاف: "كان مستشفى الكرنتينا الحكومي الجامعي في ذلك اليوم عنواناً للخراب والدمار، أما اليوم، بعد ثلاث سنوات، يقف مرمماً، مجدداً، شاهداً على قدراتنا الجماعية على الصمود، على التزامنا الثابت بالتعافي، وعلى تصميمنا على الخروج من الماضي الأليم إلى مستقبل أفضل. هذا المستشفى هو ليس مجرد مبنى، ولكنه اليوم رمز للتجدد والانبعاث، والشفاء من الجروح، وغلبة الأمل على اليأس. وإن اعادة النهوض بهذا الصرح الاستشفائي لهو خير تكريم لذكرى من مضى، وباعث للأمل في نفس من بقي. أهم ما يرمز إليه هذا المشروع هو إعادة بناء المؤسسات التي تخدم المجتمع وتضمن وصول أفراده، وخاصة الفئات الأكثر هشاشة، إلى رعاية صحية عالية الجودة تخدم الجميع دون تمييز".
وتابع: "إن هذه المؤسسة تشكل إلى جانب المستشفيات الحكومية الأخرى جزءاً مهماً من استراتيجية وزارة الصحة العامة لإعادة بناء قطاع استشفائي عام، يكون جزءاً من شبكة الحماية الاجتماعية، ويقوم بخدمة مجتمعه وخاصة في الأوقات الصعبة، أوقات الأزمات والأوبئة، قطاع يتحمل مسؤولياته في مسيرة هذا المجتمع نحو التعافي، ورحلة هذه الدولة نحو استعادة ثقة مجتمعها بها"، لافتاً إلى أن "هذا المستشفى قد مر كما يمر هذا الوطن، بأزمات قاسية لكنه نهض من جديد بهمة العاملين فيه ودعم ومساندة الشركاء والأصدقاء. ونحن هنا نتقدم بالشكر والتقدير، وخاصة لشركائنا الدوليين على دعمهم لنا في وقت الضيق، ومبادرتهم هذه تجسد شعورهم معنا بوحدة الحال، وتضامنهم معنا في أشد الأوقات ظلمة. وهذا التضامن يعكس الرابط الإنساني الذي يجمعنا ويؤكد من جديد قدرة الإنسان بمعاونة أخيه الإنسان، على تجاوز الشدائد. ولعل هذا الدعم الذي حصل عليه لبنان ، هو أيضاً اعتراف دولي بما قدمه وما زال يقدمه من احتضان إنساني للنازحين إليه في السنوات والعقود الماضية، بالرغم مما شكله ويشكله ذلك من عبء كبير، استهلك ويستهلك الكثير من المقدرات في وقت شحت فيه الموارد".
ودعا الجميع محلياً ودولياً وبهدف ضمان الأمن الصحي لكل الأطياف في لبنان، إلى "البناء على ما تحقق هنا، والتعاون مع وزارة الصحة العامة، في إعادة بناء نظام صحي أكثر صلابة وقوة، نظام صحي يتميز بسهولة الوصول إلى الخدمات، وخاصة للفئات الهشة، نظام صحي مبني على الوقاية والرعاية الأولية، واهتمام خاص بالصحة النفسية والعقلية. نظام صحي يقدم خدمات طبية، في مستشفيات حكومية، تنافس بجودة خدماتها القطاع الخاص".
وختم وزير الصحة: "إن ما يرمز إليه اجتماعنا اليوم، واعادة افتتاح أقسام هذا المستشفى، في هذا اليوم وفي هذا المكان، هو التصميم على عدم الاستسلام، و‘ني واثق من أن باستطاعة مجتمعنا، بعلوّ همته، وكدح أبنائه وبناته، ومساعدة أخوانه وأصدقائه، باستطاعته إعادة بناء الحجر وتأهيل البشر، والسير قدماً، نحو مستقبل صحي صلب وعادل".
من جهته، لفت غييوم إلى أن "دعم هذا المستشفى يعكس التزام فرنسا الثابت تجاه لبنان من أجل تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة، وهو حق أساسي وعالمي يجب أن يتمتع به الجميع. إن بناء وإعادة إعمار هذا المرفق الطبي المتطور هو رمز لالتزامنا بالمساواة بين النساء والرجال وحماية حقوق المرأة والحفاظ على صحة أطفالنا، الذين هم مستقبل هذا البلد".
كما قال بيجبيدر: "اليوم، نؤكد من جديد تضامننا من خلال العمل. هذا المستشفى الحكومي الجامعي في الكرنتينا كان ملجأ للسكان الضعفاء في لبنان، خصوصاً منهم الأطفال وحديثي الولادة. بالتعاون مع وزارة الصحة العامة وإدارة المستشفيات وشركائنا الكرام والمتبرعين، بما في ذلك فرنسا من خلال الوكالة الفرنسية للتنمية، وأسامي- ASSAMEH Birth & Beyond- وآل بطرس وأوستراليا وكوريا وقبرص واليابان وآخرين، قمنا بافتتاح هذا المبنى الجديد لتوفير الخدمات الرعائية لمن هم في أمسّ الحاجة إليها، خصوصاً في هذه الفترة الصعبة التي يمر بها لبنان".
بدوره، أعرب أبو بكر عن سعادته للمشاركة في حدث إفتتاح مستشفى الكرنتينا، مبدياً تقديره لكل الجهات المانحة والمساهمين في إعادة البناء، مؤكداً أن "منظمة الصحة العالمية ملتزمة باستمرار تقديم الدعم والتعاون مع وزارة الصحة العامة والشركاء لتأمين حق الجميع في الحصول على الخدمات الصحية وتأسيساً لمستقبل أكثر صحة في لبنان".
وكانت كلمة لقرداحي لفتت فيها إلى ما "بادر إليه الصندوق عند انفجار العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، حيث قام بتفعيل خطته للاستجابة للطوارئ من أجل الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة".
وقالت: "قام الصندوق بتوزيع أكثر من عشرة آلاف رزمة صحية خاصة بالنساء كما قام بتوفير دعم خدمة القبالة في مرافق الرعاية الصحية في المناطق المتضررة واستعان بطواقم صحية وطبية جوالة لتوفير خدمات الصحة الإنجابية الفورية وتقديم الدعم النفسي والإجتماعي. كما زود الصندوق تجهيزات ومستلزمات طبية خاصة بعيادة الصحة الإنجابية إلى جانب عشرة مراكز رعاية صحية ومستوصف في محيط منطقة المرفأ".
وجددت قرداحي "التزام الصندوق بالعمل مع الجهات المعنية كافة من أجل دعم الفئات الأكثر حاجة وهشاشة وعرضة للوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية بما فيها الأمومة المأمونة وخدمات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي".
وختمت بقول للأديب اللبناني جبران خليل جبران: "من المعاناة بزغت أقوى الأرواح"، من الألم ومعاناة الانفجار يأتي الإصرار على الاستمرارية والحياة التي سوف يشهدها هذا المكان مع كل ولادة جديدة".
بدوره أهدى مطر حدث افتتاح المبنى الجديد للمستشفى إلى أرواح الضحايا والشهداء الأموات والأحياء، قائلاً: "لعله يكون بادرة خير للجميع لنبرهن لكل العالم أن إرادة الحياة في لبنان لا تزال أقوى من إرادة الموت".
وتوجّه بالشكر غلى كافة المساهمين في إعادة إحياء المستشفى بدءاً من العديد من الدول الصديقة ولا سيما فرنسا وسويسرا وقبرص، كما نوه بما قدمته عائلة الوزير الأسبق الراحل فؤاد بطرس ووكالات الأمم المتحدة: اليونيسف، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، صندوق الأمم المتحدة للسكان، منظمة الصحة العالمية، فضلاً عن بعض الجمعيات العالمية التي لم تتردد في المساعدة في تجديد وإعادة بناء المستشفى، موجها تحية خاصة للمنظمة غير الحكومية Assameh B & B التي تقدم للمستشفى بانتظام مساعدة كبيرة. كما لفت إلى جهود الدكتور روبير صاصي والتبرعات التي ساعدت في التغلب على الاحتياجات المالية الكبيرة والاحتفاظ بمعظم الطاقم الطبي والتمريضي والإداري للاستمرار في أداء المهام والواجبات.
وباسم مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمستشفى، توجه الدكتور مطر بالشكر إلى وزارة الصحة العامة والدكتور فراس الأبيض للدعم المستمر. كما أثنى على الطاقم الطبي والتمريضي والإداري تحت إشراف المديرة كارين صقر، مبديا التقدير لـ"العمل الجاد الذي بذلته للحفاظ على تقدم المستشفى بشكل مطرد حيث سيظل رمزاً لتقديم الخدمات وتأمين حق جميع الناس في المساواة وفي الحصول على الرعاية".
أضاف: "حقاً بدون دعمكم، فإن مستشفانا الذي تتمثل مهمته الرئيسية في رعاية المرضى المحتاجين ولكن أيضا في الوقت الحاضر في رعاية الأشخاص من الطبقة الوسطى من جميع الجهات والجنسيات، لكان قد تم وضعه جانباً إذا لم يتم إغلاقه نهائياً في بلد تنهار مؤسساته يوماً بعد يوم بسبب الأزمة المالية الأولى من نوعها في تاريخ لبنان والتي تبدو بعيدة عن الحل. لذلك، يسعدنا أن نجتمع هنا اليوم لنشهد ولادة جديدة لمستشفى الكرنتينا الذي كان مهملاً على مدى عقود".