النهار

كيف نفسّر لأطفالنا سبب منع فيلم "باربي"؟
المصدر: "النهار"
يتطرق الفيلم إلى مفاهيم الحياة والذكورية وقضايا النساء وغيرها، من خلال شخصيات الدمية العديدة
كيف نفسّر لأطفالنا سبب منع فيلم "باربي"؟
من فيلم "باربي".
A+   A-
"هل يمنع فيلم باربي؟"، "ماما...بابا لماذا يريدون منع الفيلم؟"، أسئلة تتردّد كثيراً على مسامع الأهل في الأيام الأخيرة من قبل الأطفال الذين يترقّبون مشاهدة الفيلم بفعل الحملة الدعائية الكبيرة التي حظي بها، ولما تمثّله هذه الدمية في مخيّلة الأطفال، وفي وجدان كثيرين من الراشدين أيضاً.
 
 
بات معروفاً أن فيلم "باربي" لا يعالج أفكاراً ومسائل من عالم الطفولة، بل يتطرق إلى مفاهيم الحياة والذكورية وقضايا النساء وغيرها، من خلال شخصيات الدمية العديدة.
منعت دول كالكويت وسلطنة عمان وباكستان عرض الفيلم، وانتشر الحديث عن منعه في لبنان على خلفيّة كتاب وزير الثقافة اللبنانية محمد المرتضى، الذي وجّهه الى الأمن العام اللبناني لاتّخاذ كلّ الإجراءات اللّازمة. وجاء في بيان صدر عنه أنّه "لدى التدقيق، تبيّن أنَّ فيلم "باربي" المُزمع عرضه قريباً في دور السينما اللّبنانية، يتعارضُ مع القيم الأخلاقية والإيمانية ومع المبادئ الراسخة في لبنان، إذْ يروّج للشذوذ والتحوّل الجنسيّ، ويُسوّق فكرةً بشعةً مؤدّاها رفض وصاية الأب، وتوهين دور الأم وتسخيفه، والتشكيك بضرورة الزواج وبناء الأسرة".
 
 
هذه البلبلة وضعت الأهل أمام حيرة الإجابة عن أسئلة أولادهم حول أسباب الجدل الحاصل، وربطاً أثارت قضيّة أعمق تتّصل بالتربية على مفاهيم معيّنة وتعليم تقبّل الآخر في المجتمع والتسامح.
 
ومن المعلوم أن فكرة المنع سخيفة جداً اليوم مع قدرة الأولاد على الاتصال بالإنترنت والمنصّات المختلفة، والاختلاط الثقافيّ مع أشخاص مختلفين في الحياة اليومية في لبنان وخارجه.
 
ويرى مربّون أن المنع ليس فكرة سديدة، بقدر توعية الأولاد على حقائق الواقع بالطرق المناسبة.
 
 
تحدّثنا على كيفية التواصل مع الأولاد بشأن التنوّع والاختلاف مع الدكتورة في علم النفس والمحلّلة النفسية مايا بوخليل.
 
كيف نتعامل مع أطفالنا في مسألة "حقوق المثليين"؟
دعت بو خليل إلى احترام وتقبّل كلّ انسان، واحترام حرّيته بحياة جنسيّة شخصيّة، من دون رفضٍ أو اضطهادٍ أو ملامةٍ أو تنمّرٍ، معتبرةً أنّ "في علم النفس معظم النصائح في هذا المجال غير مجدية، إذ إنّ للّاوعي قدرة على تمرير أحاسيس الأهل وهياماتهم ورهاباتهم ومواقفهم كلّها إلى الولد من خلال التواصل غير اللفظيّ (نظرات، تعابير الوجه، حركات الجسم...).
 
ماذا تقول بو خليل للأهل الذين يتأثرون بمقولة تفكّك العائلة نتيجة تقبّل أصحاب الميول المختلفة؟
 
تشرح بو خليل بأنّ مفهوم العائلة يتأثّر بأمور أخرى أهمّ بكثير من الأفلام، أوّلها التجربة الشخصيّة لكلّ فرد ضمن إطار عائلته، مؤكّدةً أنّ "العلاقة بين ثنائي الأهل، والصراعات العائلية الممكنة، تؤدي إلى الشكّ بالنموذج الناجح الذي يُحتذى به، وإلى عدم الرّغبة بالتمثّل به. لكن، من ناحية أخرى، تأتي الديناميكيات الناتجة عن الأبوّة النرجسيّة، التي تضع على كاهل الولد توقّعات عالية، ومسؤولية إسعاد والديه بكونه امتداداً جيّداً لهم، وعبر تحقيق رغباتهم في حياته العاطفية والمهنية، والتي تترافق في أغلب الأحيان مع عدم القدرة على تفهّم واحتواء الولد لكي تزعزع رغبته بأن يُصبح هو أيضاً في المستقبل أباً. تالياً، جميع هذه العوامل تؤثر على مفهوم العائلة بشكل أعمق بكثير فتصبح "الموضة" التي تقترحها هذه الأفلام خياراً أكثر أماناً للأشخاص الذين يعانون من صعوبات علائقيّة".
 
 
أثر تأجيل الحقيقة
 
تعتبر بو خليل أنّه "ليس من واجبنا كأهل حماية الأولاد من معرفة أمر أو حقيقة ما، بل هو حل موقت قد يؤجل هذه المواضيع لفترة وجيزة، ويجنّب الأهل الخوض في تفاصيلها المحرجة. لكن حماية الأهل تُشكّل في أغلب الأحيان دعوةً غير مباشرة للولد للالتفات والاهتمام بالمواضيع التي تحيطها السريّة".
 
ولفتت إلى أنّ "الإنسان بطبيعته ينجذب إلى كلّ ما هو ممنوع، وينتهي به المطاف أيضاً إلى تحقيق مخاوف أهله واحدة تلو الأخرى. لذلك، تبدأ حماية الولد بتعرّف الراشد مخاوفَه الشخصية، وإدراك مصادرها، وتستمرّ عبر بناء علاقة ثقة وأمان وانفتاح مع الولد من قبل الأم والأب على حدّ سواء، تسمح له بالتمتع بالتوازن النفسيّ والنضوج العاطفيّ، وتتيح أمامه بالتالي مجال التعرف على رغباته والقيام بخيارات واعية تناسبه في المستقبل".
 

ما هو تأثير هذا النوع الأفلام على فكر أطفالنا؟
في هذا السياق، تشرح بو خليل أنّ للأفلام ككلّ تأثيرات حتميّة على اللاوعي الجماعي، إذ لا يُمكننا تحديدها أو حصرها كلّها، وأهمّها التطبيع (normalisation). وللتطبيع آثار أكبر بكثير من التشجيع المباشر، إذ إنّه يستهدف اللاوعي الجماعيّ. فالتعرّض اليومي لتلك الرسائل المتكرّرة بلغات وألوان وسيناريوهات مختلفة يحمل المجتمع على تقبّلها.
 
ولا تعتبر بو خليل هذا الأمر سيّئاً، إذ إنّه يخفّف من قيمة وماهية هذه الظواهر، ويحمل الفرد على التعاطف مع أخيه الإنسان والتماهي مع معاناته الإنسانية في بعض الأماكن، معتبرةً أنّه يجعل المرء المثليّ يشعر بالثقة بمجتمع لن يحكم عليه، ولن يشعره بالذنب لكونه "نفسه" وعلى طبيعته.
 
 
وتشير بو خليل إلى أنّ "الإنسان يُصبح حرّاً من القيود الاجتماعية والتوقّعات العالية، فينطلق لكي يكتشف ويخترع ويبتكر أموراً أهمّ بكثير من تفاصيل ميوله الجنسيّة ومعاناته حول تقبّل المجتمع له، كما أنّ لكلّ إنسان بحسب التحليل النفسي استعداداً كامناً للازدواجيّة الجنسيّة يحفّزه ويوقظه، ممّا قد يعيشه منذ الولادة في محيطه، خاصّة في علاقاته الأوليّة مع كلّ من الأهل، وما قد يأتي خلال الطفولة من صدمات نفسيّة علائقيّة.
 
وتضيف بو خليل أنّ "الديناميكية العائلية تؤدّي دوراً مهمّاً أيضاً يؤثّر على سلسلة "التماهيات"، التي يمكن أن تحصل خلال الطفولة والمراهقة، فجميع هذه العوامل اللاواعية والعميقة تجعل من الصّعب جدّاً تحويل ميول الفرد أو عكسها بمجرّد تعرّضه لأفكار أو مشاهد معيّنة".

أفلام عنف وليس "باربي"
من جهة أخرى، تُطرح تساؤلات عدّة حول مشاهدة أفلام العنف أو "الأكشين" على مرأى من الأطفال.
في هذا السياق، تجيب بو خليل: "حين تكون الرجولة في خطر شديد، يأتي العنف ليظهر بعض القوّة عند أشباه الرجال، لا سيّما أنّ غياب الدولة الحاضنة والسلطة الرادعة والقوانين التي تؤمن إطاراً تجعل المواطن يشعر بالأمان، وبعد سنوات من الحرب الاقتصادية والخسارات النرجسية المتتالية، تهدّدت الصورة التقليديّة للرجل والمرأة؛ فتمّ الخلط بين العنف والرّجولة، وأصبح التشجيع على العنف جرّاء رهاب المثليّة شائعاً".
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium