النهار

المولدات قنبلة موقوتة وسموم في المناطق الشعبية والمواطن الضحيّة والجلاّد... يرفضها ويموّل استمراريتها
روان أسما
المصدر: "النهار"
المولدات قنبلة موقوتة وسموم في المناطق الشعبية والمواطن الضحيّة والجلاّد... يرفضها ويموّل استمراريتها
مولّد كهرباء.
A+   A-

تحوّلت مولّدات الكهرباء إلى آفة مزمنة، لكنها شرّ لا بدّ منه، نتيجة وصولنا إلى العتمة الشاملة، وعجز مؤسسة كهرباء لبنان عن القيام بالدور المطلوب منها، على مرّ سنوات طويلة، والتي تحولت مصدراً للفساد والتحاصص لا للطاقة.

سيطرت "مافيات" المولّدات على المناطق والأحياء، وليس من المبالغة وصف أصحاب المولّدات بـ"قادة المحاور"، إذ بات لكل صاحب مولّد شارع أو منطقة، يُخضع السكّان ويتحكّم فيهم، من دون إمكانية استبداله بآخر.

في الموازاة، كانت أزمة تأمين المحروقات والمازوت تحديداً تلقي بثقلها وانعكاساتها السلبية، ومع تزايد شحّ مادة المازوت وصعوبة تأمينها، لجأ الكثير من أصحاب المولّدات إلى تخزين هذه المادّة في نفس مواقع تواجد المولّدات ما شكّل خطراً كبيراً على السكان والمحالّ المجاورة.

تداعيات هذا الواقع، ظهرت أخيراً في حوادث اندلاع الحرائق التي وقعت نتيجة هذا التخزين، والتي أدت أحياناً إلى انفجار المولّد أو خزان المازوت، ما بات يشكّل خطراً مزدوجاً، أولاً من ناحية أمن الناس جراء خطر تعرضهم للموت، وثانياً، من الناحية الصحية نتيجة التلوث الذي تحدثه الحرائق والانفجارات على صحة الإنسان والبيئة معاً، والذي يمكن أقلّه أن يسبّب أمراضاً سرطانية.

صليبا

"مافيا" المولّدات لا تختلف كثيراً عن مافيا "صهاريج المياه" التي بدأت تظهر وتتطور بعد أزمة المياه. ففي كلّ مرّة تولد مافيا جديدة من تبعات الفساد. "نعيش في وسط قنبلة موقوتة لا نعلم متى تنفجر فينا"، وفق ما قالت النائبة نجاة عون صليبا.

وأضافت: "نحن نتفادى تشريع وجود مولّدات الكهرباء لأنّها طريقة لتكريس وقوننة وجودها، وهذا أمر مرفوض. كيف لنا أن نشرّع المولّدات وفي الوقت نفسه نحن ضد وجودها في المناطق السكنية. من الواجب والضروري اقتلاعها من هذه المناطق، وإن كان لا بدّ من التشريع فمن الممنوع منعاً باتاً تواجد هذه المولّدات في المدن".

وأكّدت أنّه "مفروض على البلديات أن تنجز عملها من ناحية التأكيد على وجود الصيانة، التبريد والفلاتر المخصّصة، عازل الصوت ودواخين عالية. وهذه الشروط موجودة في المراسيم والتعاميم الصادرة عن وزارة البيئة، والبلدية تعلم بوجود المولّدات غير المرخّصة من دون أن تحرّك ساكناً"، مشدّدةً على أنّ على البلديات إتمام الكشف والمسح التام على المولّدات في العاصمة، وداعية محافظ بيروت إلى منع أيّ مولّد غير مرخّص أو غير مستوفٍ للشروط اللازمة".

وقالت صليبا: "أنا كنائبة عن بيروت رفعت الصّوت وبرهنت أن هذه المولّدات هي سموم تعيش في منازلنا ومن واجبي أن أحاسب وزير الطاقة وأسائل وزير الداخلية عن جباية الكهرباء وعن التمييز بين المناطق اللبنانية في جباية الفواتير، إذ إنه بعد إتمام الحسابات نرى أننا لم نستطع الحصول على المبلغ الكامل لدفع ثمن الفيول، لأن هناك مناطق محصّنة ومحميّة ممنوع جباية فواتير الكهرباء منها. قنبلة موقوتة".

ياسين

بدوره، أكّد وزير البيئة ناصر ياسين لـ"النهار" أنّ "الخطر قائم، وهذا الموضوع غير منطقي لأنه من غير الطبيعي تواجد هذا العدد من المولّدات في المناطق، من المفروض أو المعترف به أنّ هذه المولّدات تتواجد لاستخدامها في الظروف الطارئة".

وأسِف ياسين لاضطرارنا "الاعتماد على المولّدات بشكل أساسي وكبير جداً. ومن الناحية البيئية وقّعت منذ أيام تعميماً جديداً وهو تحديث واستكمال لتعميم سابق له علاقة بالتلوّث الناتج عن مولّدات الكهرباء، ويضع شروطاً جديدة على نوع الفلاتر، الضوضاء، الزيوت، الارتفاع وغيرها، وهي بنود تنفّذها وتراقب الالتزام بها البلديات لأنها الجهة المعنيّة".

وأضاف أنّ "جميع قضايا السلامة العامّة من الوجوب أن تكون تحت سلطة البلديّة أو الإدارة المحلية التي من واجبها أن تفرض شروطاً تتعلّق بالسلامة العامّة من جهة الحريق، مكان تواجد المولّد، مسافته من الأبنية والمجمعات السكنية وغيرها، من ناحية تلوث الهواء والزيوت والسوائل التي تنتج عن المولّدات والضوضاء، ووضعنا هذه الشروط في خطوة للحدّ من الأثر البيئي للمولّدات".

درويش

أمّا رئيس بلدية بيروت عبدالله درويش فأكّد أنّه "من غير الطبيعي وجود هذه المولّدات في الأحياء السكنية والشعبيّة. هناك قانون معين يخضع لمديريّة "المصنفة". لها قوانين وشروط خاصّة بها كعقد صيانة، وجوب وجود التأمين، وجود مطافئ جديدة وصالحة للاستعمال".

وأضاف: "نحاول تنظيم الأمور، لكن لا يمكننا أن ننكر أنّ بيروت مرّت بأوقات اجتاحتها العتمة ولم يكن لدينا بديل آخر، اليوم نحن أيضاً نستعين بالمولّدات في الأبنية والمؤسسات الكبيرة بمساعدة جمعيات المجتمع المدني لإنارة الطرقات، نحاول خلق علاقة مع القطاع الخاصّ".

ولفت إلى أنّ مدير "المصنّفة" في بلدية بيروت المهندس باسم العويني يعمل على إتمام مسح عام وشامل لجميع المناطق والأحياء التي تتواجد فيها هذه المولّدات للمعاينة والتدقيق والمحاسبة في خطوة جديّة لتصويب عمل هذه المولّدات ووضعها في مكانها المناسب".

وأكّد أنّه "من المتوقّع أن نشهد التزاماً كبيراً من الجميع دون استثناء، ولكن إذا حدث وخالف أحد أصحاب المولّدات هذه القرارات فيُعطى إنذاراً أوليّاً في المخالفة الأولى يتبعه ختم بالشمع الأحمر من قبل محافظ بيروت.

معظم المولّدات لا تتبع المعايير والقوانين المُسنّة لامتلاكها وتشغيلها، وهي مكدّسة بالعشرات في المناطق السكنية وبين الأحياء الشعبية، وفي أسفل الأبنية وداخل المنازل والمحالّ التجارية. هي بلا شكّ قنابل موقوتة وألغام حيّة مزروعة بيننا لا نعلم متى تنفجر. ويبقى المواطن هو الضحيّة والجلاّد في آن، يرفضها ويموّل استمرارها. فهل رأيتم من يدفع ثمن قتله؟.

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium