النهار

ذوو الاحتياجات التعليمية الخاصة واقع إنساني معقّد ومكبّل
رنا حيدر
المصدر: "النهار"
ذوو الاحتياجات التعليمية الخاصة واقع إنساني معقّد ومكبّل
تعبيرية.
A+   A-
تُدرج الإصابات المعروفة بـ: "عسر القراءة" (dyslexia)، و"عسر الكتابة" (Dysgraphia)، و"اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط" (ADHD) و"طيف التوحّد"، ضمن مجموعة الاضطرابات التي تقيّد الطفل في اكتساب مهارات تعلّمية كغيره من زملائه الآخرين.
 
تشكّل بعض هذه الاضطرابات تحدّياً صعباً في المسار التربويّ والتعليميّ للطفل، في حين قد يحتاج البعض إلى مواكبة مستمرّة وفريق طبيّ يشرف على تطوّر العلاج.
اليوم، ومع بداية العام الدراسي، وغياب مساعدات تؤمنها وزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية، فإنّ واقع الأطفال ذوي الاحتياجات التعلّميّة الخاصّة لا يبعث على الرضى.

بحسب الإحصاءات العالمية، يُصاب فرد من كلّ 10 أشخاص بمرض "عسر القراءة"، ويصل ععد المصابين بهذا المرض إلى أكثر من 780 مليون إنسان على مستوى العالم، من بينهم شخصيّات تاريخية، أبرزهم العالم الألماني الشهير ألبرت آينشتاين، والرسام الإسباني بابلو بيكاسو.
أمّا من ناحية التوحّد، فيعاني منه أكثر من 1 في المئة من سكّان العالم، أي ما يقرب من 75 مليون شخص، مع وجود أكثر من 1540 حالة توحّد مشخّصة في لبنان بحسب إحصاءات أجريت عام 2021.



"كلمة كارثي غير كافية لوصف الواقع"
تروي ريما والدة محمد، الذي يعاني من التوحّد، الواقع المأسوي وسط التحضيرات لبدء العام الدراسي الجديد، تحت وطأة الأزمة المالية وغياب الدعم من الجهات الرسمية.
تعتبر في حديث لـ"النهار" أنها محظوظة بالعثور على مدرسة تأوي ابنها، بالرغم من المصاريف الكبيرة، بعد أن عانت كثيراً بسبب العدد الضئيل من المدارس المختصّة بهذه الحالات.

وتقول ريما إنّ "محمد يعاني من صعوبة في التواصل، ممّا يؤدي إلى صعوبة في التعلّم". وأعربت عن قلق جديد يعتريها تجاه العنف، بعدما كثرت المضايقات لهذه الفئة من الأولاد، خصوصاً ممّن يجب أن يكونوا قدوة لغيرهم؛ "والمقصود هنا الأساتذة، إذ إن الخوف من تعرّض أبنائنا لحالات التنمّر أو الإهمال، فيما هؤلاء الأطفال يجدون صعوبة في التعبير والتحدّث بشكل مريح عن المشكلات التي صادفتهم، لذا أصبحت أتفحّص جسده كلّ يوم خوفاً من وجود كدمات أو آثار ضرب".
 
وقد يكون مصدر هذه الخشية عدم معرفة كيفيّة تعامل المعلّمين مع الأطفال. وتضيف ريما أنّها "تخاف من تطبيقهم المنهج التربويّ من دون الأخذ بعين الاعتبار الحالة الفردية لكلّ طفل. وربما يزيد من هذا الشعور قلّة المدارس التي تحتضن أطفال الاحتياجات التعلّميّة الخاصّة، والتي تقيّد الأهالي بخيارات محدّدة... علماً بأن محمد موجود حالياً على لائحة الانتظار كغيره من الأطفال الذين يعانون من التوحّد".
 

وعن التكاليف المادية، تشير ريما إلى وجود تكلفة خدمات إضافية قد تطلبها المدرسة، وقد تصل إلى 20 دولاراً للصف الإضافي. وفي حالة محمد يصل عدد صفوفه إلى 50 (ما يقارب 1000 دولار إضافية). وتكشف أنّهم حاولوا إلزامها بـ"معلمة ظلّ" (shadow teacher) مع تكبّد تكاليف تصل إلى 900 دولار، لكنها رفضت لأن حالة محمد - بنظرها - لا تتطلّب مدرّسة خاصّة، مضيفةً: "مع غياب الوزارة وتملّصها من توفير دعم قد يخفف من ثقل الحالة، لا يُمكنني وصف الحالة إلا بالكارثة، وربما لا تكون كافية لوصف الواقع".


على المنوال نفسه، يعاني شربل من "عسر القراءة" في المدرسة. لكن هذا الاضطراب لن يؤثر على طريقة تعامله مع الآخرين، وجُلّ ما يحتاجه هو متابعة لدى المعالج النفسيّ الحركيّ. يؤكّد والد شربل في حديث لـ"النهار" أنّ حصة معالجة النطق تصل إلى 40 دولاراً. وبالموازاة، تصل حصّة المعالج النفسيّ الحركيّ إلى 20 دولاراً، أي 60 دولاراً، يؤمّنها من معاشه الشهريّ. مؤكّداً أنّ حالة شربل لا تؤثر على مستوى ذكائه.
ومن هنا يُطرح السؤال، كيف تؤثر هذه الاضطرابات على المسار التعلّميّ للطفل؟


شرح علميّ لهذه الاضطرابات

في حديث لـ"النهار"، يشرح رئيس دائرة الطبّ النفسيّ في المركز الطبيّ في الجامعة الأميركية الدكتور فادي معلوف طبيعة هذه الاضطرابات، التي تُصنّف ضمن "اضطرابات التعلّم المحدّدة"، أي specific learning disorder، وتشمل عسر القراءة وعسر الكتابة، مؤكّداً أنّ هذه الحالات لا تؤثر على الذكاء، أو حتى على قدرة التّحليل.

الأمر مماثل لحالة التوحّد، إذ يُشير معلوف إلى أنّ "من يعاني من التوحّد يواجه صعوبة في التواصل، ومن المحتمل أن تترافق مع صعوبات تعلّميّة ناتجة عن صعوبة في نمو اللغة، كما أنّها مقرونة باضطراب النمو الفكريّ، وقد يحتاج الطفل إلى خطّة معيّنة تساعده على التعلّم".
من ناحية أخرى، يلفت معلوف إلى أنّ "لائحة الاضطرابات تشمل أيضاً اضطراب الانتباه أو تشتّت الانتباه أي adhd. وفي هذه الحالة، تكون لدى الفرد صعوبة في التعلّم جراء تشتت التركيز، لكن ذلك لا يؤثر على قدرته في التحليل والفهم".


أهمية دمج الأطفال في المدارس العادية
يعتمد الدمج على ضمّ طلاب من ذوي الاحتياجات التعلّمية في المدارس العادية مع أقرانهم العاديين، وإعدادهم للعمل في المجتمع مع الأشخاص العاديين.
ومن هذا المنطلق، دعا معلوف إلى دمج الحالات في المدارس العادية، مع تمكين الطفل من مواكبة هذا الأمر بمساعدة المدرسة، مشيراً إلى أساليب لدمج الطفل ودعمه في مساره التعلّمي، وذلك بدءاً من تعديل الامتحانات أو إعطائه وقتاً إضافياً. وقد تحتاج بعض الحالات المتقدّمة إلى تعديل المنهج حسب قدرة الطفل.

وأكّد معلوف أنّ هذه الخطط بحاجة إلى فريق يشرف على التقييم في المدرسة وتنفيذ الخطّة، فضلاً عن تنسيق مع فريق مختصّ من عيادات خاصّة قد يستعين به الأهل. (معالج نطق أو حركة...).
 
 
دور الجمعيات في ظلّ تقاعس الدولة
مع غياب مؤسّسات الدولة عن تأدية واجبها في الاهتمام بمواطنيها، تحلّ مكانها الجمعيّات الخيريّة، ومنها مركز الشمال للتوحّد.

وفي حديث لـ"النهار" تؤكّد مديرة مركز الشمال، سابين سعد، أنّ الجمعية تقدّم خدمات وبرامج للأشخاص الذين يعانون من التوحّد أو من اضطرابات أخرى، إذ وصل عدد المستفيدين لهذا العام إلى نحو 200 شخص، مع العلم بأنّ أكثر من 800 شخص هم على لائحة الانتظار.
كذلك تعمل الجمعيّة ببرنامج دمج في الحضانات، وفي المدارس الاعتيادية وفي الجامعات.

وتُشير سعد إلى أنّ الجمعية "في مرحلة توسيع عملها لاستقبال أعداد إضافية. فبالرغم من خسارة عدد من الاختصاصيين، بعد الأزمة، نحاول جهدنا تأمين نفس مستوى الخدمات، وبالموازاة نحاول تطوير عملنا علاوةً على مسؤوليّتنا الكبيرة تجاه هذه الفئة المهمّشة".

ويضمّ المركز صفوفاً للأولاد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 سنوات و13 سنة، ويستفيدون من برنامج خاص يعدّه الفريق المتخصّص. وتؤكد سعد أنّه "كان للأزمة وطأة كبيرة على الشباب والأطفال، مع توقف عدد منهم عن تلقّي العلاجات في السنين المنصرمة، ممّا أثّر على تطوّر القدرات". وتضيف أنّ "فريق العمل في المركز يكافح للاستمرار. لكن هذا التحدّي ليس سهلاً، ونعوّل على المغتربين اللبنانيين في الخارج لمساعدتنا على الصمود، خصوصاً أننا نعلم العقبات الماديّة التي تقف أمام الوزارات، ومنها وزارة الشؤون التي ليس بوسعها دعم المؤسّسات الاجتماعيّة والخيريّة".


في جلال التهكم وعبثية المشهد المستقبليّ، يبقى مصير هؤلاء الأطفال معلّقاً بالإمكانيات المادية لعائلاتهم، مع تقاعس الوزارات عن واجباتها لدعم هذه الفئة. وليست الجمعيات هي الوحيدة المسؤولة عن مساعدة هذه الفئة، بل المدارس أيضاً تؤدّي دوراً بمساعدة الطلبة ذوي الاحتياجات التعلّمية الخاصة كي يشعرو ببيئة آمنة جنباً إلى جنب مع زملائهم.

اقرأ في النهار Premium