"ظاهرة لم يسبق اللبنانيين أي شعب آخر في ابتكارها، مشاهدة حيّة للمعركة في عين الحلوة من تلّة مشرفة في مغدوشة، ويوجد أيضاً كراسٍ للإيجار وبائع ترمس وأراكيل". صور ومقاطع فيديو، تناقلها روّاد مواقع التواصل منذ ليل أمس لطوابير من السيّارات المصطّفة إلى جانب الطريق، ركنها أصحابها لمشاهدة اشتباكات مخيّم عين الحلوة التي اندلعت مساء الخميس الفائت بين عناصر حركة "فتح" والعناصر الإسلامية المتشدّدة والتي تخلّلها استخدام الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية.
(الفيديو المتداول)
الرصاص الطائش وبعض القذائف الصاروخيّة تطايرت إلى خارج حدود المخيّم، وخصوصاً إلى صيدا والغازية ودرب السيم وحارة صيدا وطريق الجنوب – بيروت، فسقطت قذيفتان على طريق صيدا – الغازية، بعد أن كانت رصاصة طائشة قتلت السبت مواطناً في الغازية، فيما أصيب عدد من الأشخاص في صيدا والجوار بشظايا. وأدّت الاشتباكات إلى شل معظم المؤسّسات والمحلات في جوار المخيّم، وانعكس على حركة تنقّل الجنوبيين عبر الطريق الساحلية.
أمّا عدد القتلى، فارتفع صباح اليوم إلى 7، وعدد الجرحى أصبح نحو 85 شخصاً.
بعد أيام عدّة على اصطفاف المواطنين لمشاهدة الاشتباكات، قامت القوى الأمنية صباح اليوم بوضع شريط عند مدخل كوع سيدة المنطرة ومنعت الجميع من المرور والتواجد، وحوّلت حركة السير إلى طريق جانبيّة من وإلى البلدة.
وكانت "النهار" اتّصلت ليل أمس برئيس بلدية مغدوشة رئيف يونان، ولفتت نظره إلى الوضع غير الطبيعي على الكوع.
مصدر في بلدية مغدوشة أفاد "النهار" بأنّ "المواطنين توافدوا من القرى المجاورة لمغدوشة مثل الغازية وعنقون لمشاهدة أحداث المخيّم لأن مغدوشة مطلّة عليه"، مؤكّداً أن اللقطات المتداولة لا تعود لسكّان البلدة".
ولفت إلى أنّ" القوى الأمنية مرّت إلى جانب هذه الطوابير سابقاً ولم تحرّك ساكناً"، متسائلاً "إذا الدولة لم تعترض، ماذا يستطيع أنّ يفعل شرطي بلدية مثلاً".
وأوضح أن البلديّة أصدرت بياناً طلبت فيه من المواطنين توخّي الحذر، مؤكّداً أنّ سكّان البلدة يلتزمون منازلهم بسبب دويّ الأصوات القوي الذي يُمسع والرصاص الذي يطال البلدة حتى إنّ بعض السكّان غادر إلى بيروت.
وقال: "هناك بعض المبالغة في الكلام على السوشيل ميديا، من قال إنّه يتم تأجير الكراسي؟" مشدّداً على أنّ البلدية لا يمكن أن تمنع أي مواطن من التواجد هناك".
وأضاف: "نحن على تواصل دائم مع القوى الأمنيّة، وما يحصل نموذج من الفلتان في لبنان ككلّ في ظل غياب القانون والتقيّد به".
وسأل: "أي بلديّة قادرة على ضبّ الزعران والمدعومين من الأحزاب؟".
لاحقاً، شكرت بلدية مغدوشة "جميع الأجهزة الأمنيّة للتجاوب السريع مع مطلبها بمنع التجمّعات على كوع السيدة المطل على مخيّم عين الحلوة، وإقفال الطريق بالاتّجاهين وتحويلها إلى الطرق الفرعية"، مذكّرةً المواطنين بـ"ضرورة توخّي الحذر نظراً لاستمرار الاشتباكات وتساقط الرصاص الطائش".
ما حصل في مغدوشة، وإن أثار دهشة البعض ليس بالجديد. فلطالما اصطفّ الناس لمشاهدة حادث سير، إشكال، تضارب، تلاسن، وهذا أضحى جزءاً لا يتجزأ من يوميّاتنا. هي مشاهد معتادة. فلبنان يعيش أسوأ أيّامه. والخشية المرتقبة هي أن لبنان مقدم على فصول أكثر ظلاماً، من الجهل والإجرام والفلتان الأمني مع تراكم العوز والجوع واليأس، ومن الانهيار الكامل لمؤسّساته، ريثما يتمكّن القادر على الرحيل من أن يرحل، تاركاً الوطن لمن ليس بوسعه أن يغادره.