جالت "النهار" في مخيّم عين الحلوة، بعد ساعات على تثبيت قرار وقف إطلاق النار بين مسلحي حركة "فتح" والإسلاميين المتشدّدين، وتفقّدت خطوط التماس خصوصاً في بعض أحياء حطّين وبستان اليهودي (بستان القدس) والبركسات وحي الطوارئ وتجمّع مدارس "الأونروا" ومحلّة تعمير عين الحلوة التحتاني، إضافة إلى الطيري وسوق الخضار والشارع التحتاني وبعض الشوارع والأزقّة، حيث بدا الدمار واسعاً وآثار المعارك الضارية والحرائق جلية.
الصور بعدسة الزميل أحمد منتش:
المدخل الغربيّ للمخيم عبر حاجز الجيش هو الوحيد الذي بقي مفتوحاً أمام حركة السيارات والمشاة للدخول إلى المخيم والخروج منه، شهد منذ ساعات الصباح حركة ملحوظة وشبه طبيعية طالما افتقدها منذ بدء الاشتباكات في 7 أيلول الجاري، حيث تتولّى عناصره تفتيش صناديق السيارات والتدقيق في الأوراق الثبوتيّة للمشاة، فيما تراقب عناصر قوّات "الأمن الوطنيّ" الفلسطيني من مسافة قريبة حركة الدخول والخروج.
في الشارع التحتاني كما في حي الطيري، عادت الحركة فخرج الناس من منازلهم، علماً أنّ هذا الشارع وحي الصفوري بقيا بمنأى عن الاشتباكات إلى حدّ ما، باستثناء حادث مقتل مسؤول عسكريّ وأحد العناصر في "التيّار الإصلاحيّ" في "فتح" الذي يتزعّمه عضو لجنتها المركزيّة سابقاً محمّد دحلان.
أمّا معظم الأزقّة والشوارع والأحياء داخل حطين وبستان اليهودي وحي الطوارئ ومحلة التعمير التحتاني، فبدت شبه مهجورة، باستثناء وجود بعض المسلحين داخل مواقعهم أو أمام مراكزهم، والذين يبدو التعب والوجوم على وجوههم. فيما لوحظ أنّ العناصر الإسلامية المتشدّدة كانت تختبئ خلف مواقعها وداخل جدران تجمّع مدارس "الأونروا" المحاذي لحي البستان والشارعين الفوقانيّ والتحتانيّ وإلى حدّ ما للبركسات.
هل يصمد قرار وقف إطلاق النار؟ وهل يعود الفارّون إلى بيوتهم؟ ومن سيتكفّل بإعادة إعمار ما تهدّم أو احترق؟ تساؤلات طرحها الذين صمدوا في المخيم، والإجابات جاءت من المسؤول عن "الجبهة الديموقراطيّة لتحرير فلسطين" في منطقة صيدا فؤاد عثمان الذي رافق "النهار" في جولتها، إذ دعا إلى "انتظار جدّية الأطراف المعنيين بتثبيت وقف إطلاق النار، وبعد ذلك إخلاء تجمّع المدارس من المسلحين، ثمّ العمل على توقيف المتّهمين باغتيال العرموشي ومرافقيه ومقتل عبد فرهود"، معتبراً "أنّ الوضع صعب جدّاً ومعقّد، وأنّ معالجة الأمور تحتاج إلى وقت".
اجتماع موسّع
وفي إطار التهدئة وتحصين وقف الاقتتال، عقد اجتماع موسّع في منزل رئيس "التنظيم الشعبيّ الناصريّ" النائب أسامة سعد شارك فيه النواب عبد الرحمن البزري وعلي عسيران وميشال موسى وشربل مسعد ورئيسة "مؤسسة الحريري للتنمية البشرية" الوزيرة السابقة بهية الحريري ومفتي صيدا الشيخ سليم سوسان والمفتي الجعفري الشيخ محمد عسيران ومفتي صور الشيخ مدرار الحبال ونائب رئيس المكتب السياسيّ لـ"لجماعة الإسلاميّة" بسام حمود ورئيس البلديّة حازم خضر بديع ورئيس غرفة التجارة والصناعة محمّد صالح ورئيس جمعيّة التجّار وضواحيها علي الشريف ورئيس رابطة المخاتير إبراهيم عنتر ومدير مكتب سعد طلال أرقدان وعضو الأمانة السياسيّة في التنظيم ناصيف عيسى.
في نهاية اللقاء، قال سعد: "الاجتماع أكّد رفض الاشتباكات، ورفض الاحتكام إلى السلاح في معالجة قضايا المخيّم، وطالب الإخوة الفلسطينيين بكلّ فصائلهم بأن يتنبّهوا إلى خطورة هذه الاشتباكات، كما طالبوا بعدم تكرارها ورفض أيّ احتكام إلى السلاح، لما لذلك من انعكاسات سيّئة على المستويات المختلفة الإنسانية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولما يسبّبه ذلك من ضرر بالغ وخطير على أمن المدينة والشعب الفلسطينيّ والأمن الوطنيّ اللبنانيّ.
وشدّد المجتمعون على تثبيت وقف النار بعد الاتفاق الذي حصل (أوّل من) أمس، والذي شاركت فيه قوى عدّة على المستوى المركزيّ، ودولة رئيس مجلس النوّاب، وأيضاً القوى الأمنيّة والعسكريّة ، فضلاً عن الجهود السياسيّة التي بذلناها في صيدا كقوى سياسيّة. كلّ هذه الجهود أثمرت اتفاقاً لوقف إطلاق النار يتضمّن إجراءات ميدانيّة لتثبيته، وأيضاً إجراءات وآليّات عمل لتسليم المطلوبين المتّهمين باغتيال اللواء العرموشي ورفاقه".
وشدّد على "أهمية عدم لجوء الكثيرين إلى المخيم كملاذ آمن لهم، لأنّ سلام المخيم هو من سلام المدينة وأمنها وسلام الأمن الوطنيّ اللبنانيّ".
وأضاف: "الدورة الاقتصاديّة يجب أن تتجدّد، والأهالي الذين نزحوا يجب أن يعودوا الى منازلهم. نطالب الحكومة والهيئة العليا للإغاثة بالتعويض على المتضرّرين من هذه الأحداث، وخاصّة في التعمير الصيداويّ، فهناك بيوت دُمّرت بالكامل، ويجب تأمين بدل إيواء ريثما يتمّ تصليح المنازل، فليست للأهالي إمكانيّة تصليحها".
وأكّد "أنّ الجميع أمام امتحان التزام ما اتّفق عليه".
كما استقبل سماحة الشيخ ماهر حمود في مكتبه في صيدا وفداً موسّعاً من حركة حماس، برئاسة عضو المكتب السياسيّ للحركة الدكتور موسى أبو مرزوق، وعضوية كلّ من الأستاذ علي بركة، د. أحمد عبد الهادي، د. أيمن شناعة والأستاذ جهاد طه، حيث تناول اللقاء كافّة جوانب القضيّة الفلسطينية، انطلاقاً من المقاومة الباسلة في غزّة والضفّة والبطولات التي تشهدها فلسطين، وصولاً إلى الأحداث الدامية التي تبكي القلب في مخيم عين الحلوة، حيث أكّد الطرفان على ضرورة تثبيت الأمن والاستقرار في المخيم والعمل الجدّيّ بين كافة الفصائل الفلسطينيّة، بالتعاون مع السلطات والأجهزة الأمنية اللبنانيّة لتثبيت وقف إطلاق النار، وتسليم المطلوبين بكلّ جرائم الاغتيال المستنكرة.
وقد أكّد الوفد احترام قيادة الحركة لدور سماحة الشيخ حمود التاريخي بحقّ القضية الفلسطينيّة وموقفه الداعم لها.
لقطات بعدسة الزميل أحمد منتش من داخل المخيّم: