برحيل هاشم قاسم تفقد الساحة الثقافيّة في لبنان أحد وجوهها المشرقة، قلماً صحافياً مميّزاً في أكثر من جريدة ومجلّة، معلّماً وإداريّاً، مثقّفاً ملتزماّ مبادىء فكريّة وأخلاقيّة ووطنيّة يبني بها عالماً نهضويّاّ يطمح إليه مع أبناء جيله، وباحثاً دقيقاً مثابراً على مغامرة الكشف والإبداع في مجالات عامة من المعرفة في الآداب والفنون والشأن العام بحوادثه الجلّى والكارثـيّة التي يتمحور حولها تاريخنا ومستقبلنا. وتفقد "الحركة الثقافيّة – أنطلياس " صديقاً من المهتميّن بمسيرتها الثقافيّة والوطنيّة، سيّما وأنّه كان على علاقة ودّ واحترام مع بعض أعضائها منذ زمن الدراسة الجامعيّة في الجامعة اللبنانيّة، ولم تنقطع على مدى العقود وويلات الحروب....تاريخ هذه الصداقة كان مثمراً، على الرغم من بعض التقابُل في المواقف الطلابيّة، الذي زاد اللحمة والانسجام مع تكثيف اللقاءات ذات الغنى المتبادل، الأمر الذي عـزّز ثقتنا بالتنوّع الخلّاق الهادف في المطاف الأخير إلى تعزيز الديمقراطيّة.
كان هاشم قرويّاً بمسلكه على الرغم من سكنه بيروت، أو حيّزاً صغيراً من راس بيروت، أكثر من نصف قرن. كان يستقبلنا للمبيت عنده عندما كانت تضطرّنا ظروف الحرب والمتاريس والمعابر أن نزور غرب عاصمتنا خارقين خطوط التماس الميليشياويّة. كان يتطوّع بكرم أن يكون لنا ساعي البريد الضروري بعد عودتنا.
لقد ناقشت الحركة إثنين من كتبه: الأوّل الصّادر عام 2017 بعنوان : "الظاهرة الرحبانيّة...مسيرة ونهضة" من أربعماية صفحة. ومع أنّ سيرة الرحبانيّين عاصي ومنصور، ومعهما فيروز، باتت معروفة، فإنّ هاشم دخل عالم الرحابنة من زوايا جديدة لم يتطرّق إليها الباحثون من قبل. وكان "أحد أكثر الكتب مبيعاً في معرض بيروت العربي والدولي الـــ 61 للكتاب". إسهامه من موقع التاريخي الموسيقي اللبناني والعربي جعله، وهو الصحافي، أن تكون مقالاتُه عن الرحابنة بخاصة في مهرجانات بعلبك (مسقط رأسه) تأتي على الصفحة الأولى من كبريات الصحف (النهار). وكتابه الثاني بعنوان: "إنفجار مرفأ بيروت: اغتيال دور وطن" (عام 2021)، ربط الإنفجار بالتفجير، واستهداف العاصمة بيروت، وبالتالي لبنان، هو حلقة في سلسلة من الدوافع الشرّيرة التي اندلعت في لبنان وعلى لبنان منذ ، وعلى دوره في الإقتصاد والإبداع والفكر ومساحات الرأي الحر الواسعة فيه. وكمؤرّخ، استعرض دور بيروت ومينائها من القرن الخامس عشر قبل الميلاد حتى تاريخ انفجاره في 4 آب 2020. وكرؤيوي ملتزم، عرض في كتابه عمليةّ النهوض في المجالات كافة. وكما وصفَ "عمليّة النهوض التنويري في لبنان (التي تعرّضت للاغتيال بتفجير مرفأ بيروت، كما يقول عنوان كتابه) باعتبارها نموذجاً يُحتذى للدول العربيّة". تلك هي الدلالة الحاذقة والدقيقة والجريئة التي حملَها هذا الكتاب.
لقد كانت "حركتنا" مجالاً إضافيّاً لنشر هذه الأعمال والرسالات الثقافيّة المميّزة، والإضاءة على أبعادها بالنقد المعمّق والحرّ، وهذا ما كان يغبطه ويرحّب به.
غياب هاشم قاسم خسارة ثقافيّة ووطنيّة.
الحركة الثقافيّة – أنطلياس