مع تراجع النوادي العلمانية في بعض الجامعات الخاصة، ازدادت التكهنات حول عودة نفوذ الأحزاب التقليدية، خصوصاً بعد ثورة 17 تشرين، التي حاولت تأطير الفكر الشبابي علمانياً.
فهل تتراجع الحركة الطلابية العلمانية في الجامعات وتستبدل بعودة الأحزاب إلى مراكز القرار الطالبيّ الجامعيّ؟
لا شكّ في أنّ الأرقام كانت جليّة في الانتخابات الطالبية العام المنصرم في عدد من الجامعات الخاصة بعدما عادت الأحزاب التقليدية لتتصدّر المشهد. وقد تجلّت العودة من خلال المعارك الضارية التي خاضتها هذه الأحزاب، والنتائج التي حققتها، ولو أن الفوز كان من نصيب السيادية منها، حيث ظهر جلياً مع الفوز الساحق لحزب "القوات اللبنانية" بدءاً بالـLAU مروراً بجامعة "سيدة اللويزة"، وصولاً إلى الـUSJ. لكن المعايير انقلبت في الجامعة الأميركية في بيروت، إذ كسحت القوى التغييرية والعلمانية الانتخابات الطالبية، حيث بدا حضور الأحزاب السياسية خجولاً في ظل معركة شرسة كان شعارها "التغيير يبدأ من هنا". وبهذا الانتصار تكون الجامعة الأميركية الوحيدة التي يتضمّن مجلسها أكثرية "تغييرية" و"علمانيّة". والسؤال، هل يتفوّق هؤلاء مجدداً هذا العام؟
ترى مسؤولة الحملة العلمانية في الجامعة الأميركية في بيروت تاليا كاتوره أنّ "نتائج الانتخابات الطلابية الأخيرة أتت لتؤكّد استمرار القوى المعارضة في الجامعة الاميركية، واستحواذها على أغلبية المقاعد، خصوصاً مع حرص النادي العلماني على تقديم طروحات في داخل المجلس وخارجه تعني الطلاب ومصالحهم، في الوقت الذي حافظ على خطاب سياسيّ واضح بوجه الأحزاب ومحاولتها الرجوع إلى الواجهة"، مشيرةً إلى أنّ الاحزاب النمطية تحاول العودة إلى الجامعة بمختلف الطرق، منها المباشرة والواضحة وغير المباشرة، كدعم بعض المرشحين المحسوبين عليهم. علاوةً على ذلك، يوجد العديد من الطلاب الجدد غير منخرطين في الجو السياسيّ البديل/المعارض لكونهم لم يخوضوا 17 تشرين بنفس القدر كالدفعتين السابقتين". وتؤكّد أنّ الوضع ما زال أفضل مما كان عليه قبل 17 تشرين بشكل ملحوظ.
هل لا يزال فكر 17 تشرين منتشراً بين الشباب؟
تجيب كاتوره عن هذا السؤال، فتقول إن "ثورة 17 تشرين كانت لحظة مفصلية مهمّة في حياة العديد من الشباب والشابات، لكنها لم تكن مستدامة لجميع الفئات والأعمار. تالياً، من الطبيعيّ تراجع نشاط وزخم فئة من الشباب، لكن أغلبيتهم حافظوا على المبادئ التي تعلموها من هذه الفترة، ونشاطنا وتنظيمنا السياسي مستمرّ بفضل دعمنا من قبل الجيل الجديد".
وأضافت: "بعد مرور العديد من الأزمات والثورات في العالم العربي، أصبحت العلمانية تمثّل فكراً لفئة كبيرة من الشباب. ومن هنا نؤمن كنوادٍ علمانية بأن مسارَ التغيير مسارٌ طويل، ونشدّد على أن نتائج الثورات لن تكون نتائج ملموسة إلا على المستوى الفكريّ الاجتماعيّ، الذي يُمكننا من أن نبني جبهة سياسية-شبابية قادرة على المواجهة".
في هذا الإطار، تُطرح تساؤلات عدّة منها، هل تستعيد الأحزاب التقليدية مكانتها في الانتخابات المقبلة؟
يعتبر مسؤول الجامعات الخاصة في منظمة الشباب التقدمي الاشتراكي أمير سلامة في حديث لـ"النهار" أن تغيّب بعض الأحزاب عن المجالس الطلابية والانتخابات أتى على خلفية عوامل عدّة، منها جائحة كورونا وظروف البلد، كما كان لمنظمة شباب الاشتراكي رأي معارض على مجلس الطلاب "online"، إذ اعتبروه ذا فاعلية محدودة، ولا يستدعي المشاركة". تالياً، أكّد سلامة أنّ "الحزب الاشتراكي ابتعد عن الانتخابات لفترة ثلاث سنوات بغية إعطاء فرصة للبرامج والشعارات التي نادت بها النوادي العلمانية، وإن كانوا سيتمكنون فعلاً من تطبيقها".
ويشير سلامة إلى أنّه خلال تلك الفترة سيطرت الفئات العلمانية في معظم الجامعات مع تأييدهم حتى من قبل بعض مناصري "الحزب الاشتراكي"، وذلك إيماناً بمشروعهم العلماني، لكنهم لم يتمكنوا من تطبيق البرامج الموعودة أو إظهار نوع من التغيير الملموس على أرض الواقع".
وفي هذا الإطار، يُضيف سلامة أنّه "قبل عام 2018 كان "الحزب الاشتراكي" يخوض الانتخابات بشعارات بعيدة عن السياسة لها علاقة بالأمور الاجتماعية، لا سيما شؤون الطلاب"، مؤكّداً أنّ هذا العام ستعود منظمة الشباب التقدمي إلى المعركة الانتخابية في جميع الجامعات مدعومةً بإقبال واسع من طلاب يتشاركون نفس الأفكار والرؤية، وذلك بعدما راهنوا على الأحزاب الجديدة واقتنعوا بأن أفكارنا بُنيت على المبدأ العلماني قبل الجميع".
ولفت سلامة إلى استعداد الحزب للتحالف مع جهات تتفق معه من ناحية الأفكار والمشروع، ولا شكّ في أنّ العمل الطلابي يختلف عن العمل السياسي، مضيفاً أنّ "التجارب السابقة أثبتت أننا قادرين على تحقيق برنامجنا".
من جهة "القوات اللبنانية"، يؤكّد رئيس مصلحة طلاب القوات عبدو عماد في حديث لـ"النهار" أنّ "شباب "القوات" لم يتراجعوا يوماً من ساحة الانتخابات الطلابية، بالرغم من بروز حركة يسارية وعلمانية، لافتاً إلى أنّ "معظم أفكار القوات اللبنانية علمانيّة بامتياز".
وأشار عبدو إلى بقاء "القوات" في الصدارة في العديد من الجامعات في ظلّ موجة العلمانية، منها جامعة سيدة اللويزة أو حتى الجامعة الأميركية.
وفي هذا الصدد، رأى عبدو أنّ "شباب الثورة حاولوا تنظيم حملة ضدنا لكوننا قوّة شبابية وطلابية، لكن هذا الهجوم لم يغيّر شيئاً في المعادلة، ولم يغيّر أحد توجّهه السياسي، ومن الأسباب الرئيسية للتمسّك بعقيدتنا تاريخنا وفكرنا، كما أنّ الطلاب تنجذب إلى طريقة تنظيمنا، وذلك بعدما خضنا معارك من أجلهم وبقينا إلى جانبهم. تالياً، وجودنا في الجامعات واضح، حيث إنّ "القوات" تحتلّ المركز الأوّل في معظم الجامعات الخاصة، وهذا العام سنفوز بالمقاعد، منها في الجامعة الأميركية في بيروت، وهي أمّ المعارك".
ما سبب تراجع القوّة العلمانية اليوم؟
يرى الدكتور في الجامعة الأميركية في بيروت مكرم رباح في حديث لـ"النهار" أنّ "نظام الانتخابات في الجامعة يسمح بحصول الأحزاب الصغيرة على مقاعد أكثر من الأحزاب التقليدية، مما يقودنا إلى فهم مكامن القانون وسبب سيطرة الأحزاب العلمانية. لكن لا شكّ في الأحزاب التقليدية بدأت تتحسّن، لكنّها لن تعود إلى حجمها الطبيعيّ ما قبل الثورة"، شارحاً بأنّ "من أهمّ أسباب تراجع الجهة اليسارية أو الحزب العلماني هو عدم طرح أيّ جديد في العديد من المواقف، بالرغم من موقفهم الواضح من السيادة والسلاح، لكنهم توجّهوا إلى الشعارات الشعبية، منها الهجوم على المصارف".
وأشار رباح إلى أنّ القوّة العلمانية رفعت مطالب شعبوية وغير واقعية، منها مطلب تثبيت سعر الصرف على 1500، أو حتى المطالبة بعدم زيادة الأقساط. من هنا، حاول اليسار مهاجمة إدارة الجامعة، واعتبارها متواطئة على الطلاب".
وفي السياق، قال رباح إنّ "من الطبيعي تراجع شبكة "مدى" في بعض الجامعات، لكن ما عليهم فعله هو التحالف مع أحزاب تقليدية قد تكون محافظة أو يمينية مثل الكتائب اللبنانية - على سبيل المثال - أو حتى القوات في بعض الأماكن، إذ لا يُمكن لشبكة "مدى" كسر نمطيّتها المعيّنة التي قد تؤدي إلى عودة الأحزاب الأخرى".
أما العقبة الثانية، بحسب رباح فهي ربط شبكة "مدى" نفسها ببعض الرموز التغييرية النيابية بالتحديد، والتي لم يرتق أداؤها إلى المستوى المطلوب؛ لذ لم تتمكن هذه الوجوه من تغيير هذه الحركة إلى حركة شعبية.