لا يمكن اعتبار حادثة اغتصاب القاصر ابنة الـ14 عاماً حادثة فردية، إذ ما تخفيه هذه الجريمة الوحشية أخطر بكثير، إذ يُحكى عن شبكة إتجار بالبشر تعمل على ابتزاز الأطفال واستغلالهم، وهذه القاصر هي ضحية من ضحايا آخرين.
بات الخروج من المنزل بمثابة انتحار في بلد متفلّت، الأولاد أول ضحايا هذا الخروج، خسارة الشعور بالأمان يتفاقم مع كل حادثة أو خبر. غياب التوعية الجنسية يفضح هشاشة التربية، والتفلت من العقاب يعزز الفوضى والاستباحة في العنف والاغتصاب والقتل. لا رادع يقف في وجه المجرمين، والخطر يقترب أكثر من أجساد الصغار. فأي بيئة نعيش فيها اليوم؟
تتواصل التحقيقات منذ الأمس بعد توقيف المتهمين الأساسيين، مريم الزايد، جمال عبد الهادي وهاني كيال، وتمّ نقلهم من مخابرات الجيش إلى فصيلة طريق الجديدة لاستكمال التحقيقات ومعرفة ملابسات ما حصل وما تخفيه.
وعملت "النهار"أنه بعد ساعات من انتشار الفيديو الذي حصل في مخيم سعيد الغواش- صبرا، أقدم مجهول على حرق منزل المغتصب هاني الكيال.
وكشفت هواتف مريم وهاني عن وجود فيديوات لضحايا أخريات، ما يعني أن القاصر ليست الضحية الوحيدة. ما زال من المبكر استنتاج دوافع وأهداف هذه العصابة، وستكشف الأيام المقبلة تفاصيل إضافية، وفي انتظار ذلك، يبقى السؤال الأهم كيف يستغل البعض هذه الجرائم للابتزاز المادي والأخلاقي؟
مما لا شك فيه أن جرائم العنف واغتصاب الأطفال في ازدياد، انفجر الوجع بعد وفاة الطفلة #لين_طالب وانتقل إلى فضيحة بيت اليتيم واليوم إلى صبرا. الاستغلال نفسه والوجع يُضاهي كل الردود المستنكرة التي تنتهي عند أبواب المحاكم.
14 حالة اعتداء جنسي منذ مطلع العام، لكن لو لم يتسرب الفيديو وتنشره صفحة "وينيه الدولة" هل كان أحد ليعرف ما يجري داخل هذه الشقة المهجورة؟ لو لم تتوفَ الطفلة لين طالب هل كان أحد ليعرف إلى ما تعرضت له من عذاب واعتداء وحشي من قبل عائلتها؟ لو لم يهرب قاصرون من بيت اليتيم وتقديم شكوى تحرش، هل كان أحد ليضع حدّاً لهذه الاعتداءات الجنسية المتواصلة بحق الطفولة؟ ماذا بعد الاستنكار؟ كيف نحمي أطفالنا من هذه الظاهرة التي توغلت في المجتمع في ظل الفوضى والفلتان من العقاب؟
تعليقاً على حادثة اغتصاب القاصر في صبرا، تؤكد رئيسة اتّحاد حماية الأحداث في لبنان أميرة سكر لـ"النهار" أن "ما جرى يمكن أن يكون بداية لظاهرة الإتجار بالبشر وليس حادثة فردية، إلا أنه لا يمكننا الجزم حالياً، ونحن في انتظار ما ستكشفه التحقيقات وأي معلومة مسربة من شأنها أن تؤثر على مسار التحقيق".
وترى سكر أن "الفوضى والتفلّت من العقاب ساهما في زيادة العنف والتحرّش بالأطفال، ونتيجة ذلك، نحتاج إلى تعزيز بعض الخطوات وأهمها دعم سياسة حماية الطفل الوطنية وتعميمها، وتثقيف الطفل حول كيفية حماية نفسه، وتعميم الثقافة الجنسية...".
القاصر في عهدة مختصين لمتابعة حالتها، ولكن ماذا عن باقي الضحايا والأطفال الذين لم نعرف عنهم؟
في تحليل لما قد تحمله هذه الحادثة، يتحدث الصحافي أحمد ياسين لـ"النهار" قائلاً إن " من يعرف المناطق المصنفة كأحزمة بؤس أو البقع الفقيرة الخارجة عن السيطرة المباشرة للدولة، يكون الحكم على جريمة الاغتصاب الأخيرة مبرراً، بحيث تستغل هذه الجرائم بشكل دائم لتصوير فيديوات وأعمال منحرفة بغية تسويقها. وعليه، تتعمد عصابات الإتجار بالبشر إلى تصوير فيديوات كمادة "ترويج" مع الأسف. علماً أن الأمر ليس بجديد في سجل الجرائم اللبنانية.
ويشير ياسين إلى أن "مريم وهاني وهما عضوان في عصابة إتجار بالبشر تستدرج القاصرين وتصورهم بالإجبار بأوضاع جنسية مخلة، تهددهم بنشر الفيديوات إن لم يتعاونوا معها. والأخطر أن هذه العصابة هي واحدة من عشرات العصابات الموجودة على الأراضي اللبنانية".
ووفق المعلومات المتداولة، وجد المحققون أدلة وصوراً لأطفال بعمر لا يتعدى السادسة مع ألعاب جنسية حسب ما أكد ياسين، ما يعني أن هذه الشبكة تستغل الأطفال، خاصة من هم في الشوارع ومن دون رعاية".
البحث اليوم عن ناجيات أخريات بعد أن وجد المحققون على هاتف مريم وهاني فيديوات لضحايا أخريات. وما نعرفه حتى الساعة أن مريم الشريكة في استدراج الضحية وتعنيفها قبل اغتصابها من قبل هاني، هي شابة سورية ولا تملك أي قيد ثبوتي لها في سجلات مفوضية اللاجئين منذ 4 سنوات، ما يعني أنها أبطلت رقم سجلها لتسهيل عملية الهروب وعدم التعقب. ويرجح أن تكون قد هربت من منزل أهلها لسبب ما عن عمر الـ14-15 عاماً.
أما المغتصب هاني كيال فسمعته معروفة بالتشبيح والسرقة وتعاطي المخدرات، بالإضافة إلى أنه صاحب سوابق وتمّ سجنه سابقاً.