جعلت من مقاتلين سابقين يحملون ريشة رسم بدلاً من السلاح، ويحاربون التطرّف والطائفية بالفن والثقافة والعلم. مؤسِّسة منظمة March Lebanon غير الحكومية ووسيطة السلام ليا بارودي تتحدّث لـ"النهار"، عن أهمية جعل التعدد مصدراً للغنى بدلاً من الخلاف، وقد أثبتت ذلك من خلال تجربتها التي تفوق الـ10 سنوات مع شباب مقاتلين سابقين وفئات مهمشة.
"في بلد كلبنان، وسيط سلام يعني الكثير لأنّنا في بلد تعدّدي يحمل اختلافات كثيرة مناطقية وطائفية ومذهبية وغيرها، وهي للأسف مصدر خلاف بينما يجب أن تكون مصدر غنى"، تقول بارودي.
هذه السيدة متخصصة بوساطة السلام إلى جانب دراستها لإدارة الأعمال. وهي واحدة من ضمن مجموعة من الوسيطات، وفضّلت التوسّط لحل النزاعات الطائفية. و"تحدّي القيام بهذه الوساطة في لبنان هو بناء جسور بين الجميع ومعرفة الآخر لعدم شيطنته"، برأيها.
أسّست بارودي المنظمة في عام 2012 واستطاعت تغيير المشاعر السلبية بين أبناء المنطقة الواحدة. وفي عام 2014، توجّهت إلى طرابلس وعملت مع شباب من جبل محسن وباب التبانة، حيث كانت تدور معارك طاحنة بينهم، وقرّرت التركيز على جيل الشباب، فهم مستقبل لبنان.
"كان إيماني بالتخلص من المشاعر السلبية في ما بينهم كبيراً"، تروي بارودي، وتضيف أنّ "التحلي بالإيمان في كسر الطائفية بعد كل المعارك والحروب التي شهدناها لم يكن بالأمر السهل، لكن النجاحات الصغيرة التي أنجزها شباب كانوا خلف المتاريس، هي جزء أساسي من إيماني".
قدّمت المنظمة برامج عديدة لتأهيل الشباب وتمكينهم ومدّت جسوراً في ما بينهم، إذ يقوم صلب عملها على محاربة الطائفية بالفن والعلم والثقافة. ونتيجة مجهودها ومجهود فريقها، تأهّلت بارودي إلى التصفيات النهائية لجائزة GlobalPluralismAward لعام 2023 بين 10 صانعي تغيير ملهمين من 200 دولة حول العالم، لدورها في حل النزاعات وبناء الجسور.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الجائزة العالمية تُمنح كل سنتين، وتحتفي بالعمل الملهِم والشجاع الذي يساعد على بناء مجتمعات أكثر شمولاً وتقدّر التنوّع وحمايته.
وعن هذه الجائزة، تتحدّث بارودي عن أنّ "الترشّح لهذه الجائزة لم يكن سهلاً، واستغرق وقتاً تحديداً في عملنا المتعلّق بحل النزاعات وبناء الجسور بين الطوائف اللبنانية". وبالنسبة إليها، "ترشيحي يعني الكثير لأنّ العامل الأساسي الذي يمكن أن يحوّل لبنان إلى بلد مستقر ومزدهر هو التنوّع الذي يحتويه وعلينا أن نثق ببعضنا وأن نقوم بمجهود لمد الجسور وأن نقوم بعقد اجتماعي جديد، ويأتي ترشّحنا لهذه الجائزة ليؤكّد لنا أنّنا على المسار الصحيح".
وفي إطار بناء الجسور وكسر الطائفية بالفن والثقافة، فتحت بارودي مقاهي ثقافية في بيروت وطرابلس، كمساحات لاتحاد الشباب بدلاً من تفريقهم. وأسّست مشغلاً لإعادة تدوير الأثاث، يعمل فيه مقاتلون سابقون أصبحوا أصدقاء.
وبرأيها، "ما نقوم به، ليحظى باستدامة وأقصى منفعة، يجب أن يكون على مستوى الدولة لكن إيماننا بالتغيير، ولو عبر عدد أفراد بسيط، فجميعنا بحاجة إلى السلام اليوم، وليس فقط الشباب".
وتؤكّد بارودي أنّ "الشباب يشعرون أحياناً بغضب شديد في داخلهم من شدة ظلم عانوه أو ظروف قاسية، لكنّهم يتحلّون بطاقات كبيرة". وبحكم تجربتها، تورد أنّه "لكي يؤمنوا بطاقاتهم، علينا نحن أن نؤمن بهم، وهنا يكمن التحدي الذي نجحنا فيه في تحويل مقاتلين إلى مصمّمي أزياء ونجّارين ورسّامين وطبّاخين دخلوا في سوق العمل، وهذا مدعاة فخر لي".
كذلك، "الخوف من الآخر هو سبب العلة" برأي بارودي، و"مقاربة سهلة وصعبة في الوقت نفسه. وما نجحت فيه، إلى جانب تمكين الشباب، هو أن ينظربعضهم إلى بعض كإنسان. لذلك، فإنّ بناء الجسور أمر سهل، لكن يبقى الأفراد رهائن أفكارهم المسبقة وأحكامها، "لذا، علينا إعطاء الفرصة للآخر وكسر هذه الأحكام".
ووصل التسامح والثقة بين المتقاتلين السابقين في شمال لبنان إلى أن يتحوّلوا إلى مرشدين سياحيين في المناطق التي كان يتقاتلون فيها في إطار مبادرة "جولة الحبّ والحرب" التي أُدرجت على الخطة السياحية الداخلية لوزارة السياحة، و"أصبحوا بذلك رسل سلام وهو من أكثر الأمور التي أفتخر بها، لأنّهم هم مَن يحملون شعلة السلام الآن ويكملون الطريق"، وفق بارودي.