سابقة خطيرة: يسجّل يومياً ما بين حالة أو حالتي محاولة انتحار تصل الى قسم الطوارئ في مستشفى أوتيل ديو (فقط في هذا المستشفى) فيما كان العدد يقتصر قبل تراكم الأزمات على كاهل اللبنانيين على حالة أو حالتين في الأسبوع الواحد.
هذه المعلومات كشفها رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى أوتيل ديو الدكتور سامي ريشا لـ"النهار" مشيراً الى أن "أعمار غالبية هذه الحالات تراوح بين 12 عاماً و21 عاماً لأسباب نجهلها وربما تصب في خانة انسداد الأفق عند هذه الشريحة من الشباب أو فقدانهم الأمل بأيّ غد أفضل...".
رأى الدكتور ريشا أنه "يمكن رصد ملاحظتين تنطلقان من واقع ما عشناه في الأعوام الثلاثة الماضية، الأولى أن المرضى المصابين بمشكلات أو أمراض نفسية قبل تفاقم الأزمات الحالية كانوا يتابعون حياتهم مع تناولهم مجموعة أدوية مناسبة لوضعهم النفسي، فيما تراجعت حالتهم بعد انسداد الأفق الحالي، ما أدّى الى وقوعهم مجدّداً في "دوّامة" الاكتئاب والقلق أو يشكون من عوارض ما بعد الصدمة، التي كان يمكنهم السيطرة عليها في السابق وباتت خارج متناولهم اليوم بسبب الضغوط الحادّة للأزمات الحالية".
أما الملاحظة الثانية، وفقاً لريشا، فتكون في رصد زيادة مقلقة اليوم أكثر من أي وقت سابق لكل من حالات القلق، واضطرابات النوم، والشعور بعلامات جسدية من أوجاع أو آلام غير معروف مصدرها، أي غير عضوية، يسبّبها الاكتئاب.
"عدد المصابين بالاكتئاب والقلق في لبنان مثير للقلق"، قال ريشا. أكمل شارحاً أن اللبنانيين عاشوا أيام الحرب على أمل أن تنتهي هذه المرحلة ليتطلعوا الى مستقبل أفضل، فيما تسيطر اليوم أكثر من أي وقت حالٌ ضبابية ورؤية غير واضحة لنهاية هذه الأزمات المتراكمة بشكل غير مسبوق، ما يفاقم حالات القلق عند الناس.
عرض لواقع اللبنانيين، الذين زادت حالات الاكتئاب والقلق لديهم لأنهم تطلعوا الى بعض الحلول الممكنة، التي لم ترَ النور، بعد الانتخابات النيابية مثلاً، مشيراً الى أنهم يصبون آمالاً عدة اليوم على حدوث أيّ تغيير بعد الاستحقاق الرئاسي المرتقب، الذي إن لم يأت بأي حلول، فنحن نخشى فعلياً من تفاقم حالات الاكتئاب والقلق عند اللبنانيين بنسبة عالية جداً...
عمّا إن كانت نسبة محاولات الانتحار هي أعلى في لبنان من أي بلد آخر قال: "لا أعتقد ذلك. فقد كشفت دراسات عدة في فرنسا أن تداعيات أزمة كوفيد 19 والأزمة الاقتصادية المتفاقمة في أوروبا من جراء حرب أوكرانيا عكست لدى المراهقين في فرنسا قلقاً شديداً أدى في بعض الحالات الى محاولات انتحار بسبب هذا القلق، الذي يسيطر على هذه الشريحة من العمر عموماً، وذلك بسبب التطوّر النفسي والدماغي والهرموني عند هذه الفئة ويتفاقم لديهم أكثر عند الأزمات، ما يفاقم القلق والاكتئاب و محاولات الانتحار أحياناً".
الكلام مهم
إذا انتقلنا الى عالم العلاج النفسي العيادي، نرى أن المتخصصة في هذا العلم دارين عماش ترى أن العلاج النفسي مهم اليوم من خلال الكلام والبوح بالمشاعر وتداول المشكلات، وهذا يقلص من مخاطر عدة، هذا ما جعلها تبتكر تطبيقاً إلكترونياً "Mind Some"، الذي أسهم في العلاج النفسي المجاني لشريحة كبيرة من المصابين بصدمة وتداعياتها من جراء انفجار 4 آب، مشيرة الى أنه "قد يوفر هذا التطبيق هذه الخدمة مجّاناً إذا تبيّن أنّ المعنيّ بالعلاج غير قادر اليوم على دفع تكاليف العلاج النفسي...
مسيرة عماش طويلة في العلاج النفسي العيادي. فقد سجلت خلال حديثها لـ"النهار" أن أعداد طالبي هذا العلاج تفاقمت بعد أزمة الانفجار المأساوي لمرفأ بيروت، وذلك بسبب الأزمات غير المسبوقة في لبنان.
شددت على أن هذا التطبيق يوفر علاجاً نفسياً عيادياً مع مجموعة متخصصين أو علاجاً طبياً نفسياً أو الاثنين معاً إضافة الى تأمين حصص مع مدرب للحياة يساعد على تنظيم اليوميات أو الأولويات الحياتية لمن يتابع هذا المسار معه...
من يقصدها اليوم؟ قالت: يتابع العلاج النفسي العيادي أو غيره من العلاجات عبر هذا التطبيق بعض المراهقين، الذين يتملكهم القلق والاكتئاب، من قرار مغادرة أهلهم لبنان الى وجهة أخرى. يشكون لنا امتعاضهم من هذا القرار لأنهم يرغبون بالبقاء مع رفاقهم في المدرسة أو في الحيّ أو مع بعض الأقارب. تبرز المشكلة في عدم قدرتهم على مصارحة ذويهم برغبة البقاء هنا...".
تثمّن عماش أهمّية هذه التطبيق لأنه وسيلة مهمة جداً لإيجاد حل للمشكلات رغم أنها لا تنفي أن بعض اللبنانيين ما زالوا يضعون العلاج النفسي العيادي في خانة المحرمات، ما يفاقم لدى من لا يتعبه اضطرابات نفسية، في حال عدم خضوعه لعلاج...
لا نحتاج للقول إن المرضى، الذين يتابعون هذا التطبيق، وفقاً لما ذكرته لنا، يعانون من اضطرابات عدة منها العنف الزوجي مثلاً أو يشكون من وطأة الأزمة الاقتصادية المالية ما يحفز لديهم أفكاراً سوداوية نعمل على التخفيف من وطأتها تدريجاً من خلال الكلام...
ختاماً، أكدت أن محاورة متخصّص في العلاج أو الطبي النفسي مدخل أساسي لضبط العوارض النفسية الحادّة وأثرها...
[email protected]
Twitter :@rosettefadel