النهار

جلسات حقوقية وتوعوية حول إلغاء الإعدام... يونان: مسؤوليّتنا ألّاّ نكون مع العنف
المصدر: "النهار"
جلسات حقوقية وتوعوية حول إلغاء الإعدام... يونان: مسؤوليّتنا ألّاّ نكون مع العنف
الدكتورة أوغاريت يونان والزميلة ديانا سكيني في الندوة.
A+   A-
في إطار استعادة النقاش العلمي واللاعنفي حول عقوبة الإعدام، وبمناسبة "اليوم العالمي 21 لمناهضة عقوبة الإعدام" في العاشر من شهر أكتوبر، نظّمت "الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية" LACR بالشراكة مع المنظمة الفرنسية "معاً ضدّ عقوبة الإعدام" ECPM ندوة وطنية على مدى يوم كامل بجزأين، الأول حول الواقع المحلي والعالمي وآفاق التقدّم الحاصلة، والثاني للتعمّق في الجانب القانوني والبدائل.
 
شارك في الندوة، وفق دعوات خاصة، جمعيات وخبراء ونقباء وناشطون وشباب وأكاديميون وحقوقيون وقضاة وإعلاميون وطلاب جامعيون ومحامون متدرّجون وممثلون عن وزارة العدل وعن المفوضية السامية لحقوق الإنسان وعن الهيئة الوطنية للحقوق الإنسان إلى أفراد مهتمّين بهذه القضية.
 
من الجلسات
 
افتتح الندوة المحامي رفيق زخريا ممثّلاً الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية، والمحامي ريشار سيديّو ممثّلاً المنظمة الفرنسية ECPM. وقد تضمّنت كلمة زخريا تحية وفاء للراحل وليد صلَيبي رائد مناهضة عقوبة الإعدام في لبنان مع وقوف دقيقة صمت لذكراه.
واستعاد زخريا فقرة من كتابات صلَيبي في هذا الموضوع: "الفلاسفة وعلماء الاجتماع علّمونا أنّه للحصول على الأجوبة الصحيحة يجب طرح الأسئلة الصحيحة... السؤال: هل أنت مع أو ضدّ الإعدام، ليس بالسؤال الصحيح... والأسئلة الصحيحة نقصد بها مثلاً: ما أسباب الجريمة للحدّ منها؟ وما السياسات والضمانات للحفاظ على حقوق الضحايا؟ وما البرامج والأدوات لإعادة تأهيل المرتكب؟ وما التربية الإنسانية التي تزرع الوقاية وتعلّم حلّ النزاعات بغير العنف؟ وما البدائل عن عقوبة قاتلة، والعقل البشريّ أبدع الكثير إلى الآن؟ كلّ هذه الأسئلة هي أسئلة صحيحة، لكونها تتضمّن في صميمها مسار بناء الحقوق وسلميّة الحلول والعلاقات بين البشر...".
 
من الجلسات
 
خمس جلسات عمل متخصّصة في الجوانب التي تفيدنا الآن في لبنان، من أجل التطوير والعدالة:
 
●الجلسة الأولى أدارتها الصحافية ديانا سكيني من جريدة النهار، وكانت مخصّصة مع الدكتورة أوغاريت يونان مؤسِّسة الحملة الوطنية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في لبنان منذ عام 1997، حول هذه المسيرة في لبنان: إنجازات وآفاق.
أشارت يونان إلى أنّ الكلام الذي يتكرّر في كلّ فترة عن الإعدام، يتطلّب منّا أن نعود ونفهم لماذا نقول لا لعقوبة الإعدام، وفي الأساس نقول لا للجريمة. وكانت قد زوّدت المشاركين بوثيقة "20 حجّة لرفض الإعدام"، تشمل معطيات علمية وإحصائية وقانونية وتاريخية وفكرية ودينية وشهادات للأهالي وإنجازات محلية وعالمية. بالنسبة إلى أوغاريت يونان، عقوبة الإعدام هي شراكة في العنف، فعقوبة الإعدام تقتل. ومسؤوليتنا ألّا نكون مع العنف. فنحن نرفض القتل الأول أي الجريمة الأولى، والقانون يعاقب على القتل، فكيف نعود ونطالب بالقتل، بالإعدام؟ وعندها، كيف يعالج القانون القتل بالقتل! ومن يعاقب القانون إذن؟ وهل نحن ببّغاوات نقلّد الجريمة بجريمة؟ بالنسبة إلينا، لسنا طرفاً مع المحكوم بالإعدام بوجه ضحيّة الجريمة الأولى، نحن مع العدالة، ونعلن الحداد على ضحايا الجريمة الأولى وعلى ضحايا جريمة الإعدام، ففي كلتا الحالتين يتّم اغتيال العدالة، على حدّ قول وليد صلَيبي، الذي أضاف "جريمتان لا تصنعان عدالة".
 
ثمّ عرضت يونان للإنجازات الاستراتيجية للحملة، وقالت: نحن أسّسنا ثقافة مناهضة عقوبة الإعدام في لبنان، بعمل إبداعي وشامل، ولا عودة إلى الوراء، وقد باتت هذه الإنجازات في صميم الواقع: في التربية والمدارس والجامعات، وفي تدريب الشباب والنشطاء، ومع الإعلام، ومع القضاة والمحامين، ومع النواب ووزارة العدل، ومن خلال مشاريع واقتراحات قوانين تقدّم بها نواب ووزراء عدل منذ عام 2004، وفي تحرّكات الشارع الاستثنائية، وفي التضامن العالمي، وخاصّة في انتصارين قانونيين لغاية اليوم: إلغاء جزء من تشريع الإعدام في لبنان عام 2001 بتصويت جامع في المجلس النيابي (90%)، وتجميد تنفيذ الإعدام على مدى 20 سنة...
 
وكانت مداخلة للمحامية لينا العيّا، من جمعية عدل ورحمة، تناولت فيها واقع المحكومين بالإعدام القابعين في السجون، وعددهم الحالي 78 شخصاً، وهم لبنانيون ومن جنسيّات أخرى، مع توضيحات حول الفئات الاجتماعية والعائلية والأعمار وأيضاً زيارات ذويهم لهم إلخ. وشرحت عن ظروف السجن، وخاصّة التدهور الكبير داخل السجون في ظروف الغذاء والصحة من جرّاء الأزمة الحالية في البلاد. وتطرّقت المحامية العيّا إلى بعض الجوانب القانونية في ملفات هؤلاء المحكومين، مختتمة كلمتها بالتذكير بأن حكم الإعدام يصدر عن المحكمة باسم الشعب، فهل الشعب قاتل!؟
 
 
●الجلسة الثانية كانت مخصّصة لواقع إلغاء عقوبة الإعدام في العالم، وأدارها الدكتور مكرم عويس.
تحدّثت فيها الحقوقية جوليا بوربون فرنانديز Julia Bourbon Fernandez، رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ECPM، وعرضت للإحصاءات العالمية والتطوّرات الإيجابية المؤثرة. فالاتجاه العالمي بات محسوماً: 147 بلداً في العالم ألغت الإعدام من مختلف القارات. وحتّى دول "منظمة التعاون الإسلامي" (عددها 57 بينها لبنان)، 19 دولة منها ألغت الإعدام، و14 في حالة تجميد تنفيذ أحكام الإعدام، وهذه معطيات محفِّزة جداً لنا. ثمّ عرضت في معطيات دقيقة حالات الإعدام وفق البلدان الأكثر تطبيقاً لهذه العقوبة. وفي ختام كلمتها، هنّأت لبنان لتجميده تنفيذ أحكام الإعدام حوالى 20 سنة متواصلة، وأعربت عن قلقها من احتمال لجوء السلطة لسبب ما إلى استعادة التنفيذ فيما لبنان بلد متقدّم في هذه القضيّة.
ثمّ تحدّث ممثلان عن وزارة العدل، القاضي أيمن أحمد والقاضية أنجيلا داغر، حيث عرضا لوضع الإعدام في لبنان في ظلّ التوصيات ذات الصلة الناتجة عن "الاستعراض الدوري الشامل UPR" في الأمم المتحدة. كما تطرّقا إلى دور القاضي الملزم تطبيق النصّ، حيث قانون العقوبات في لبنان لا يزال يشتمل على مواد تقضي بعقوبة الإعدام، متطلّعين إلى تطوير القانون وتعديل التشريع في المجلس النيابي. كذلك، أكدا على دور وزارة العدل الأساسي في تصويت لبنان الرسمي في الجمعيّة العامة للأمم المتحدة على القرار الخاص بوقف تنفيذ حكم الإعدام moratorium، المرّة الأولى عام 2020 والمرّة الثانية عام 2022. وهذا إنجاز للبنان.
أمّا مداخلة ممثّل المفوضية السامية لحقوق الإنسان OHCHR الخبير علاء قعود، فتمحورت حول الصكوك النافذة في الأمم المتحدة حول إلغاء عقوبة الإعدام، حيث أكدّ ضرورة التزام لبنان بالتوصيات الخاصة بهذه المسألة في "الاستعراض الدوري الشامل UPR" على مستوى آليّات الأمم المتحدة. كذلك تحدّث عن أهمية العمل على الضمانات والبدائل في إطار مناهضة عقوبة الإعدام، كي تتماشى مع واقع المجتمع.
 
●الجلسة الثالثة تناولت واقع واستراتيجيّات المناصرة البرلمانيّة، أدارها الإعلامي رامز القاضي.
تحدّثت فيها النائبة بولا يعقوبيان، حيث أعلنت عن موقفها الرافض لهذه العقوبة، وعن تقديرها للدور الإنساني والريادي لمؤسّسي مسيرة مناهضة الإعدام في لبنان د. صلَيبي ود. يونان. وأخبرت في سياق كلمتها، عن تأثرها أول مرة بموقف الرئيس سليم الحص الضميريّ المشرِّف، حين امتنع عن توقيع مرسومي إعدام بحقّ شابّين في عام 2000. كما لفتت يعقوبيان إلى ضرورة إيلاء الاهتمام بآراء المطالبين بالإعدام، وما يكتبونه في وسائل التواصل الاجتماعي، كي يُدرس التوقيت للعمل على هذه القضيّة بدقّة. وسألت أن تعود الحملة وتُجري استطلاع رأي مع النواب الحاليين، كي نرى النسبة الحالية المؤيّدة للتخلّي عن عقوبة الإعدام.
وكانت مداخلة أساسية للدكتورة أوغاريت يونان عن واقع المجلس النيابي في مسيرته إزاء قضيّة إلغاء عقوبة الإعدام، وهي التي أجرت الأبحاث واستطلاعات الرأي الأولى في لبنان مع النواب منذ عام 2000 وعلى مدى أكثر من مجلس نيابي. وقد أتت النتائج الإحصائية الخطية، وليس مجرّد سؤال وجواب، مفاجئة لكثر، حيث حوالى 70% من النواب هم مع إلغاء الإعدام فوراً أو تدريجاً. كما عرضت يونان لمشاريع واقتراحات القوانين التي قُدّمت في لبنان، وجزء منها بتحفيز من الحملة الوطنية، وعددها إلى اليوم خمسة؛ يُضاف إليها أنّ "خطة العمل الوطني لحقوق الإنسان" التي أعدّها المجلس النيابي وأقرّها عام 2008 تضمّنت إلغاء عقوبة الإعدام.
 
●الجلسة الرابعة تناولت إمكانات التأثير في السِلسِلة العقابيّة الخاصة بأحكام الإعدام. أدارها د. عصام سباط.
القاضية ماري ليّوس، رئيسة لجنة تنفيذ العقوبات، تحدّثت بحماسة كبيرة لصالح قانون خفض العقوبات، وشرحت أهميته مع ضرورة تعديل البنود المفتقرة فيه للعدالة ولا سيّما في ما يخصّ المحكومين بالإعدام، أوردت أمثلة حيويّة من الواقع، وأعربت عن استعدادها لشرح هذا القانون وتعميمه على المحامين والحقوقيّين، حيث تأسّفت لكون العديد لا يعرفون عنه أو يطبّقونه بشكل غير سليم.
المحامي رفيق زخريا قدّم ثلاثة أمثلة من واقع تنفيذ أحكام الإعدام في لبنان، لإظهار البشاعة، والأخطاء القضائية وكذلك الإجرائية أثناء تنفيذ الإعدام. وعرض فيديو مؤثّراً جداً عن تنفيذ الإعدام في ساحة طبرجا عام 1998.
المحامي ريشار سيديّو يعتبر أنّ عقوبة الإعدام تقع أكثر ما يكون على الفقراء والفئات الهشّة، وأنّ السلطات تعتمدها لأنها غير مكلفة، كما أنّها عقوبة استنسابية في أحيان كثيرة. ثمّ قدّم أمثلة عن الواقع القانوني وإمكانات التأثير في السلسلة العقابية، من خلال تجربته في فرنسا، وخاصّة في بلدان عديدة حيث شارك في الدفاع عن محكومين بالإعدام. كما أشار إلى ضرورة استفادة المحامين في لبنان من "المرصد الأوروبي" الذي يحمي المحامين المدافعين عن المحكومين بالإعدام. وختم بإعجابه بما لدى لبنان من خبرات ومثقفين وحضارة ونضال مدني، معرباً عن تعجّبه في الوقت عينه من الاستمرار في الحفاظ على عقوبة الإعدام!
 
●الجلسة الخامسة والأخيرة تناولت قانون العقوبات، وأدارتها الحقوقية ريما إبراهيم.
تحدّث فيها المحامي والدكتور في القانون عصام سباط، وهو باحث في مسألة عقوبة الإعدام وفي قضايا التعذيب وناشط في الحملة، وقد اختار أن يبدأ كلمته بالاعتراف بأنّه كان من أشدّ المؤيّدين لعقوبة الإعدام وبات من أشدّ المناهضين لها. عرض د. سباط مواد قانون العقوبات المدني والعسكري، وبينها غرائب في أحكام الإعدام، وقدّم بعض الأمثلة من تجربته في السجون، وكذلك اقتراحات وبدائل.
الدكتور زياد عاشور، المحامي والناشط في مناهضة الإعدام، عرض موقفه الجذري الرافض للإعدام، الذي كما قال، لا يجوز أن يخضع لأيّ اعتبارات أو ضمانات أو تجزئة في الموقف. وتضمّنت مداخلته عرضاً مميّزاً عن تجربة مرافعة نموذجية في قضية متّهم يواجه حكم الإعدام، حيث تمّت بالشراكة بين محامين من جمعية عدل ورحمة مع نقابة المحامين في باريس ممثّلة بالنقيب شخصياً.
 
●اختتمت الندوة بخلاصات شدّدت على أنّ الحقوق كلّها أولويّة، ولا مفاضلة بين حقّ وآخر، وما نستطيع أن ننجزه في أيّ وقت يكون لصالح الجميع. أمّا التوقيت لإلغاء عقوبة الإعدام، فسيكون من خلال خطة استراتيجية تدرس الواقع وتنشط على هذا الأساس. كما شدّدت على أولويّة نشر هذه المعرفة وهذا الوعي العلمي الدقيق حول موضوع الإعدام، لكونها ثقافة مهمّشة وفيها الكثير من المغالطات. وقد عبّر الحضور عن استعدادهم لتفعيل مناهضة عقوبة الإعدام في لبنان.
 
 
 
وعلى هامش الندوة، نظّمت الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية مع المنظمة الفرنسية "معاً ضدّ الإعدام" ECPM محاضرتين في جامعة الحكمة لطلاب حقوق الإنسان، بالشراكة مع مسؤولة "العيادات القانونية" فيها رينا صفير. توعية عامّة حول الموضوع مع إحصاءات عالمية ومحلية ونماذج ناجحة، ما أثار اهتمام وتأييد معظم الطلاب، فيما طرح البعض هواجس لا تستثني الإعدام في بعض الحالات مع التأكيد على إعادة التفكير فيها.

اقرأ في النهار Premium