عبدالله عبد الصمد
النقل المدرسيّ قطاع ذو مواصفات خاصّة. وقد فرضت جميع الدول شروطاً صارمةً على عمل حافلات النقل المخصّصة للتلاميذ للحفاظ على سلامتهم. وكان للتشريع اللبناني أيادٍ طاهرات في هذا المجال لا سيما بإقراره القانون رقم 551/96. لكن حبر الموادّ فيه لم يقفز من ورق القوانين إلى ملعب التنفيذ، والحرص لم يصل إلى المعايير التي حدّدتها "ليبنور"، وهي مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية.
هذا في ما خصّ الحافلات، وهي ليست موضوعنا الآن. أمّا إن انحدرنا نزولاً في سُلَّم السلامة، فكيف لنا أن نسأل؟! أو بالأحرى، بأيّ أسلوب نبحث عن دور الدراجات النارية في هذا القطاع؟!
يقول سائق حافلة تنقل الطلاب غير اللبنانيين من وإلى إحدى المدارس الرسمية في جبل لبنان خلال الدوام المسائي: "لطالما عانينا في العام الماضي من ازدحام الدراجات النارية في موقف المدرسة. كنا نرى ثلاثة أطفال، وأحياناً أربعة، خلف السائق وأمامه، تُحشر بينهم حقائب منتفخة، من دون أن ينعم واحدٌ منهم بخوذة واقية. كانت تلك الدرّاجات تنتشر مثل الهموم بين الحافلات والسيارات، خصوصاً عندما تُمطر السماء وتتعكّر الرؤية. واجهنا أكثر من حادثة صدم، لكنها كانت تمرّ بأضرار بسيطة".
لم يكن النقل منظّماً يوماً في المدارس الرسمية، حتى المحاولة اليتيمة من مشروع "كتابي"، الذي قدَّم مئة حافلة مخصّصة لنقل الطلاب لمئة مدرسة رسمية، بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، في العام 2018، لم ترقَ إلى مستوى سدّ الحاجة. أضف أن تلك الحافلات لم ولن تُستخدم لنقل طلاب المنهج المخصّص للاجئين السوريين (الدوام المسائي)، هذا ما أفادنا به عدد من المديرين.
لاستيضاح الموضوع، اخترنا إحدى المدارس التي تعطي المنهجين، واتصلنا بمديرتها، فأكدت لنا أن اليونيسف تدفع لأولياء الأمور عشرين دولاراً في الشهر عن كلّ طالب غير لبناني كبدل نقل، لكنها لا تشترط كيفية وصوله إلى المدرسة. لذلك يعمد كثيرون منهم إلى توفير المبلغ ونقل أولادهم على دراجة يملكونها، لكنها تفتقر تلك الطريقة - في أغلب الأحيان - إلى أدنى معايير السلامة العامة، إنْ من حيث عدد الركاب، أو من حيث اللباس، أو الحمولة. لكن لا سلطة للإدارة على الطالب خارج الدوام المدرسيّ، فبمجرّد خروجه من حرم المدرسة تعود المسؤولية لذويه.
في منطقة أخرى، اعتمد مدير آخر نهجاً مختلفاً، فأفصَحَ لنا عن أنه اتخذ قراراً على مسؤوليته الخاصّة بمنع انتقال الطلاب بالوسائل التي تشكّل خطراً على سلامتهم، وكلّف النظّار بمتابعة الموضوع بحزم.
مصدرٌ أمنيّ أفادنا بأن عدد العناصر في المخافر لا يكفي لتوزيعهم على المدارس أو على الطرقات لضبط الوضع، وبأنهم لا يتدخّلون إلا في حالات الحوادث فقط، أو عند مصادفة الدوريات خرقاً قانونياً واضحاً؛ فهم يعتمدون على البلديات لتأمين السير وضبط المخالفات أمام المدارس، كلّ بلدية ضمن نطاقها.
وكان قد صدر في الـ11 من أيلول من العام 2013 تعميم عن وزير الداخلية والبلديات يقضي بالإيعاز إلى عناصر الشرطة البلدية بالحضور أمام المدارس والجامعات خلال أوقات دخول وخروج الطلاب منها، لتأمين السير والحفاظ على سلامة الطلاب. لكنّ البلديات أيضاً لا تُحسد على أوضاعها الحالية، فهي بالكاد تؤمن رواتب موظفيها، بل تقف - في أغلب الأحيان - عاجزة أمام تأمين محروقات الانتقال وتنفيذ مهمات متعدّدة. لذلك تعذّر على العديد منها تنفيذ مضمون التعميم، فتركت هي الأخرى للقدر حريّة التصرف، ولأهالي الطلاب حرية الاختيار ما بين الاستهتار والحرص.
للمزيد من الإحاطة بالموضوع، كان علينا تبيُّن الرأي الرسمي للوزارة المعنية، فاتصلنا بالمستشار الإعلامي لوزارة التربية والتعليم العالي الأستاذ ألبير شمعون، وكان كلامه موافقاً لما أوردنا أعلاه: وزارة التربية لا تتدخّل في موضوع النقل المدرسي، أما الحافلات المقدّمة فكانت جزءاً من مشروع مشترك بين المركز التربوي للبحوث والإنماء، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ووزارة التربية والتعليم العالي. وقد اعتمد توزيعها على معيارين أساسيين: الأول، قدرة صندوق المدرسة على تحمّل نفقات تشغيل وصيانة الحافلة، والثاني، أن يكون عدد الطلاب كافياً لملء مقاعدها.
بالرغم من التأخير الذي سبّبته مشكلة التمويل، لكن باب التسجيل للعام الدراسي الجديد قد فُتح منذ أيام قليلة، وعاجلاً أم آجلاً ستُقرع أجراس المدارس معلنة بدء التدريس المسائيّ للاجئين السوريين. فهل سيكون العام الحالي مشابهاً لما سبقه أم أن أجهزة الدولة ستتحرّك لحلّ مشكلة تهدّد سلامة الأطفال كما تهدّد سائقي السيارات؟
سؤال سنضعه برسم الأجهزة المعنيّة.