يتناقل اللبنانيون مقتطفاً من فيديو توقعات لعالِم الفلك ميشال حايك المعروف بـ"نوستراداموس لبنان" عن توقعاته بلغة مبهمة وغير واضحة لحرب غزة وتداعياتها على لبنان، فيما هاجمت عالمة الفلك ماغي فرح هذه التوقعات واصفة إياها بالكاذبة أو وليدة معلومات مخابراتية تُبثّ على الشاشة.
لا يقف الموضوع عند هذا الحد، بل تضع فرح التوقعات الدقيقة للعرّافة ليلى عبد اللطيف الملقّبة "سيدة التوقعات"، في خانة المعلومات المخابراتية، لأن فرح تعتقد أنه لا يمكن لأي عالِم في الغيب أن يحدد مكان وقوع الحدث أو تاريخه، وفقاً لما كررته في حواراتها على شاشة التلفزيون.
لكن عبد اللطيف عادت مجدداً إلى الأضواء بعد تحقّق توقعات أعلنتها قبل ثلاثة أشهر عن قصف مستشفى في غزة بشكل مأسوي، ما أسفر عن عدد كبير من القتلى والجرحى. وقالت إن "العالم سيشهد مشهداً مخيفاً وبالغ الخطورة بسبب تفجيرات تطاول أحد المستشفيات في العالم"، مشيرة الى أن "هذا المستشفى الذي يقع في دولة تعاني من هول الحرب، سيكون عرضة لإطلاق صواريخ من الجو، وأن الإعلام العالمي سينقل وقائع قصف المستشفى المذكور".
بعد قصف المستشفى المعمداني في فلسطين، تكرر مقطع الفيديو الخاص بهذا التنبؤ، والذي انتشر الآن على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، على دقّة كلماته، ما يعزز الغموض المحيط بقدراته، تاركاً الجمهور منقسماً بين الإعجاب والحيرة.
في مقاربة علمية، أكدت المعالجة النفسانية والاختصاصية في علم النفس العيادي الدكتورة نهلا حرب في اتصال مع "النهار" أن "عدم اليقين أو عدم وفرة المعلومات من المصادر "الشرعية" المفترض فيها توفيرها لمستقبل البلاد، يدفع مَن عانى من صدمات الى البحث عن مصادر أخرى من المعلومات كنوع من الانتقال من الواقع المأزوم الى مستقبل أقل تأزماً"، موضحة أن "هذه المرحلة الانتقالية تفتقد الكثير من المعطيات والوقائع التي يتم استبدالها بمصادر مختلفة، أي من العرافين والملمّين بالغيب".
ولفتت الى أن "هذه المصادر تأتي لسد الفراغ الذي يسببه عدم اليقين وعدم وجود بنية إجتماعية واقتصادية تحمي المواطن"، مشيرة الى أن "هذا يوحد الناس عندما يكون المجتمع في صدمة جماعية كما الحال في الازمات المتراكمة في لبنان، التي لا تتخذ طابعاً جماعياً مع الأسف بسبب غياب كلّ من النسيج الإجتماعي الوطني والهيكلية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على حد سواء".
ورداً على سؤال عن رأيها العلمي في أسباب وضع توقعات بعض العرافين وعلماء الفلك والتنجيم في خانة المعلومات المخابراتية، قالت الدكتورة حرب: "هذه مسألة أخرى، وقد تندرج في خانة التسويق الشخصي، ولا علاقة لها بالاستجابة الجماعية للصدمة الجماعية. لا أحد مضطر فعلياً الى تكذيب الآخر لأن عدم حدوث أيّ من التوقعات كفيل بإثبات أن التوقعات كاذبة وعارية من الصحة".
وأضافت أن "عدداً ملحوظاً من اللبنانيين يتابعون توقعات العرافين على شاشة التلفزيون... هذا الأمر طبيعي لأننا في بنية مفككة، إذ يبدأ اللبنانيون بالتفتيش عن معنى للألم الذي ينتابهم في ظل التفكك الاجتماعي أو غياب البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية والامنية في لبنان. هم يتابعون ألماً مجهول الفاعل، وتجهيله يغيّب فرص المواجهة وتتراجع معه فرص التحسين ويغيب المعنى لهذا الألم". وقالت: "هذا الواقع يدفعنا الى علاقة مع المنجّمين والعرافين بحجة ان المستقبل مرسوم ومحدد مسبقاً، ما يساهم في التحرر من عقدة الذنب من جهة، ويعطينا فسحة أمل من جهة أخرى. إن اللجوء الى المنجمين وعِلم الغيب هو مرحلة انتقالية لقبول الواقع الاليم، الذي يمر بمراحل عدة منها الانكار، وهو مهم لاستيعاب الصدمة، واللجوء الى العرافين هو غطاء لهذا الانكار كأن السامعين يتابعون أخباراً متضاربة ليتحضّروا للصدمة الحالية".
أما الأستاذة التربوية الدكتورة إلهام البساط فأكدت أن "النفسية اللبنانية التي نعيشها في ما خص الإقبال على التنجيم تفتح باب أمل للناس"، مشيرة الى أنه "حين تكون النفوس مترجرجة يلجأ الناس الى التنجيم من باب التسلية، علما ان معرفة الغيب تهمّ الناس منذ العصور القديمة الى اليوم، وهي أيضاً تجذب المسؤولين عنهم الى المنحى نفسه، أي الى التنجيم".
ورأت أن "تضارب التهم بين العرافين يندرج في اعتبار التنجيم باب رزق"، ما يجعله عرضة للمنافسة بين أهل "البيت الواحد".
ولفتت الى أن انحدار التخاطب السياسي امتد الى الحوارات كلها، مشيرة الى "أن رجالات لبنان كانوا يتخاطبون سابقاً من دون اي شتائم كما الحال اليوم، فنحن نشهد انحداراً على مستوى التخاطب ينعكس على المستويات كلها".