طوني نبيل
صبيّة تُدعى دلال أفرام تقدّم الشاي والقهوة لشابّين أوقفا سيارتهما أمام محلّ فيرونا على أوتوستراد زوق مكايل.
حين تجولُ بسيّارتك على أوتوستراد زوق مكايل - كسروان، تلفتك ظاهرة جديدة تتمثّل بوجود مجموعة من الصبايا داخل المحالّ المنتشرة على طرفَيه، وهنّ يقدّمن للزبائن ما يطلبون من مأكولات ومشروبات روحيّة.
ففي مَحلّ فيرونا، لصاحبه ضومط صوما، تستقبل دلال أفرام بوَجه بَشوش جميع الذين يوقِفون سيّاراتهم أمام المَحلّ أو يمرّون سيراً على الأقدام، ويطلبون مختلف أنواع السجائر والشوكولا والويسكي والتيكيلا والشاي والنيسكافه...
قبل ذلك بسنوات، كانت دلال تعتني بالمأكولات التي تُقدّم يومياً في هذه المؤسسة، كما أنها كانت تُجيد صناعة مختلف أنواع الحلويات التي تُطلب في الأعراس والمناسبات الخاصّة، لكنّ تقليص عدد الموظفين بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية دَفعَها إلى التأقلُم مع وظيفتها الحالية، فأصبحت تُجيدها بشَغَف.
يُصَرّح صاحب محل فيرونا بأنّ "هاجس الشبّان اللبنانيين أصبح ينحَصِر في أن تكون رواتبهم الشهرية بالدولار الأميركي، وعندما لم يَستطع أن يدفع لهم ما يَتمنّون تركوا العمل في مؤسسته، وهذا خطأ فادح، لأنّ "التيبس" الذي يأخذونه من الزبائن يومياً قد يفوق رواتبهم... لذلك قررتُ أن أشَغِّل شابّات مكانهم".
ضومط صوما، صاحب محل فيرونا يعبّر عن رأيه في عَمل الصبايا
وبعد أن كانت الإناث يشتغلن على صندوق المحاسبة في السوبرماركت وداخل محطات البنزين الكبيرة والمتوسطة، وبما أنّ أدوات التجميل أصبحت تُسَعّر بالدولار الأميركي، إضافة إلى الألبسة وغيرها من المُقتنيات التي تَتباهى الصبايا بارتدائها، كلّ ذلك حَتّمَ عليهنّ العمل في المحال على جانبَي الأوتوستراد كي يستطِعن شراء هذه الضَروريّات من دون "مِنّة من أحد". فعلى بُعد كيلومتر من محل "سي سويت" على أوتوستراد زوق مكايل، تدخل إلى سوبرماركت وكافيتريا WAY MART، التي تفتح أبوابها 24/ 24، فتتأكّد من أنّ هناك أربع صبايا يشتغلن فيها، وفق دوامات تمتدّ من الصباح إلى ما بعد منتصف الليل.
في الصباح، تستقبلك ديانا خوري، المديرة والمسؤولة عن الموظفين، وتوضِح بأنها قرّرت العمل في هذه المؤسسة لكي تساعد زوجها في تأمين معيشة عائلتها "بشَكل مَقبول"، خصوصاً أنّ "الأقساط ترتفع سنة بعد سنة في المدارس الخاصة، ناهيك بأسعار المولّد الكهربائي والموادّ الغذائية والطبابة...".
تطبخ ديانا لأولادها الثلاثة في الليل، فهي تستيقظ عند الساعة السادسة صباحاً، لأنّ دوام عملها يبدأ من السابعة وحتى الرابعة بعد الظهر. ولأنّ راتبها بالـ فريش دولار، تحَفّزَت أكثر على التفاني في العمل... لكنها في الأسابيع الأولى من وَظيفتها، عانَت مشكلة تقَبّل ابنها الصغير وَضعها الجديد، وأوضحت بأنه "كان يُصرّ دائماً على أن يذهب معي إلى العمَل... ولطالما كان يقول لي: يجب أن أبقى معكِ حتى لو تفرّجتُ عليك وأنت تشتغلين... بعد ذلك اقتنعَ على مَضَض بأنّني يجب أن أشتغل كي أساعد والده في دَفع مصاريف المنزل".
وتقول لك بفرح: "أنا مَسرورة جداً في عملي، على الرغم من كثرة العمّال الأجانب الذين يشترون دائماً من هنا".
السيدة ديانا خوري
إنّ الكثير من الصبايا أحجَمن عن ارتياد السينما والنايت كلوب وأماكن اللهو والتسلية، وأصبحت اهتماماتهنّ تنحصر في كيفية تأمين الأموال بُغية إكمال حياتهنّ بطريقة "مَقبولة"... كما أنّ أقساط الجامعات الخاصة المرتفعة، أجبَرتهنّ على العمل وفق دوامات معيّنة، لتأمين المبالغ المالية المطلوبة؛ ورفقا حداد خير مثال في ذلك. فهي صبية في الحادية والعشرين من عمرها، تدرس في الجامعة الأميركية - بيروت (اختصاص كومبيوتر) (سنة ثانية)، تتابع محاضراتها لثلاثة أيام أسبوعيّاً في الجامعة، وتشتغل 4 أيّام في WAY MART، حيث يبدأ دوام عملها من التاسعة صباحاً وحتى الخامسة بعد الظهر.
تُشجّع رفقا الصبايا على العمل لكي "يُساهمن في دَفع الأقساط الجامعية والمدرسية و"مصاريف" منازلهنّ...". لذلك نراها تُقبل على عملها بفرَح، وتقول إنها لا تشعر بالتعب، بَل "تتكَيّف مع إقبال الزبائن على شراء حاجيّاتهم، خصوصاً في ذروة الضغط".
الشابة لين حدشيتي.
أمّا لين حدشيتي التي تشتغل حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل في المكان نفسه، فتقول: "الشغل مش عَيب، وأنا أشَجّع الصبية على العمل كي لا "تَتّكِل" على أهلها في تأمين معيشتها، بل لتعتمد على نفسها".
وفي خلال دوامها، تقدّم لين للعراقيات والسوريات واللبنانيات ما يَطلبنه بكلّ طيبة خاطر... وهي لا تخاف مِن "تَلطيش" الشبّان أو الرجال من مختلف الجنسيّات الذين يمرّون بسياراتهم ويطلبون المشروبات الروحية، لأنّ المكان مُحاط بالكاميرات من كل جانب، كما أنّ شرطة بلدية زوق مكايل تقوم بدوريات طوال الليل لرَدع كلّ مُخالف للقانون".
إنّ تردّي الوضع المعيشي في لبنان، وتدَنّي مستوى الليرة بشكل غير مَنطقيّ، والحاجة الماسّة إلى تأمين الدولار الأميركي... كلّ هذه الأسباب دفعَت عدة فتيات لبنانيّات إلى العمل في محال على الأوتوستراد المُمتَدّ من زوق مكايل باتجاه جونيه، وفق دوامات مُتقلّبة. فهل ستُعمّم هذه الظاهرة في جميع المناطق اللبنانية، خصوصاً إن ساءَ الوضع المَعيشي أكثر من الآن؟