في حانة وسط ساحة في الهواء الطلق في مدينة جبيل شمال بيروت، يفتقد ريشار العلم الزبائن الذين غالباً ما تكتظ بهم المنطقة، منذ بدء التوتر عند الحدود مع إسرائيل على وقع الحرب في قطاع غزة.
ويقول العلم (19 عاماً) بينما يعدّ المشروبات لروّاد الحانة لوكالة فرانس برس "فتحت زجاجة الويسكي هذه منذ أسبوعين وحتى الآن لم تفرغ. في العادة كانت تفرغ خلال يوم أو يومين".
وبعدما كان عدد الطاولات المحجوزة يتراوح بين أربعين وخمسين يومياً، بات حالياً لا يتجاوز السبع طاولات كحد أقصى، وفق العلم.
ويوضح العلم بينما يندر دخول زبون الى المكان "منذ أن بدأت الأحداث، توقفت حركة المطار وسحبت الدول رعاياها، فتراجعت وتيرة العمل" في المدينة الساحلية التي تعتمد بشكل كبير في مواردها على زوّارها من سكان المناطق الأخرى أو السياح.
على بعد عشرات الأمتار وفي الأزقة المتعرجة في سوق المدينة القديمة، تمرّ الساعات ثقيلة على منى مجاهد (60 عاماً) التي ترتشف القهوة أمام محلها لبيع التذكارات في انتظار مجيء زبائن.
وتقول السيدة التي غزا الشيب شعرها وخلفها رفوف تضيق بالتذكارات والتحف "يعتمد عملنا بأكمله على السياحة. منذ أحداث غزة لم نبع شيئاً".
وتضيف "الوضع سيء، لا عمل ولا مال. كما ترون نشرب القهوة".
وانعكس التصعيد اليومي في جنوب لبنان حيث قتل 88 شخصاً حتى الآن، بينهم عشرة مدنيين، سلباً على حركة الإقبال على المطاعم والملاهي والأسواق، وكذلك على نسبة إشغال الفنادق مع انعدام حركة الوافدين من الخارج، من مغتربين أو أجانب.
وجاء التوتر بعد صيف شهد حركة سياحية اعتمدت بالدرجة الأولى على المغتربين اللبنانيين، بعد أربع سنوات من انهيار اقتصادي غير مسبوق، فاقمه تفشي وباء كوفيد-19 ثم انفجار مرفأ بيروت صيف 2020.
ويقول نقيب أصحاب المطاعم والملاهي في لبنان طوني الرامي لـ"فرانس برس "كنا قد طوينا صفحة السنوات الأربع ودخلنا زخماً جديداً، لكن للأسف جاءت هذه الحرب وعكّرت كل شيء".
وكان قطاع الخدمات في لبنان يستعد لموسم جيد نسبياً مع التخطيط لتنظيم مؤتمرات ومعارض، عدا عن إجازات أعياد نهاية العام التي تشكل محطة رئيسية على المفكرة السياحية.
ويوضح الرامي "نعيش اليوم حالة قلق. لا يعرف الناس متى ستتدحرج الجبهة في الجنوب ولا يمكنها التخطيط" لإجازات، مضيفاً "حتى المغترب اللبناني سيتردد في قرار المجيء أو عدمه ولن يجازف".
وبسبب التصعيد، خفّض طيران الشرق الأوسط، الناقل الجوي الوطني في لبنان، عدد رحلاته الى النصف.
وقالت المتحدثة الإعلامية ريما مكاوي لـ"فرانس برس" إن الشركة سجّلت انخفاضاً بنسبة 54 في المئة في عدد الركاب الوافدين جواً الى بيروت من دول الشرق الأوسط، مقارنة مع العام الماضي.
وانخفض عدد المسافرين الوافدين من أوروبا بنسبة ثلاثين في المئة، والوافدين من الخليج بنسبة 39 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
خلال الأسبوعين الأولين من الحرب في غزة، ألغيت كل الحجوزات في فندق كافالييه في منطقة الحمرا في غرب بيروت.
ويقول أيمن ناصر الدين (41 عاماً) الذي يدير الفندق ذا الأربعة نجوم لفرانس برس "انخفضت نسبة الإشغال بشكل كبير جداً" مضيفاً "ليست لدينا حجوزات جديدة.. الوضع سيكون كارثياً إذا استمر على ما هو عليه".
وبعدما كان أكثر من نصف غرف الفندق البالغ عددها 65 محجوزاً خلال شهر تشرين الثاني، بات عدد الحجوزات اليوم يرواح بين خمسة و12 غرفة كحد أقصى، وفق ناصر الدين الذي يوضح أن الفندق كان محجوزاً بالكامل طيلة شهر كانون الأول قبل بدء التصعيد.
ويخشى القيمون على القطاع الفندقي في لبنان أن تطول تداعيات التصعيد، حتى لو ساد الهدوء على الحدود الجنوبية.
ويشرح نقيب أصحاب الفنادق والمؤسسات السياحية في لبنان بيار الأشقر لفرانس برس أن نسبة الإشغال في الفنادق تتراوح بين صفر وسبعة في المئة، بعدما كانت نحو 45 في المئة قبل بدء التصعيد.
ويضيف "تم الغاء كافة الحجوزات لشهرين أو ثلاثة الى الأمام، سواء من أفراد أو مجموعات سياحية أو مؤتمرات ومعارض".
ويشرح أنه حتى لو توقف التصعيد غداً "يجب أن ننتظر لشهر أو شهرين حتى ترفع الدول الحظر عن المجيء الى لبنان وننطلق من جديد".
ورغم الصعوبات والتحديات، يرى الأشقر أن بإمكان القطاع الفندقي والخدمات أن يلتقط أنفاسه متى عاد الاستقرار، في بلد اعتاد على مر العقود الحروب وعدم الاستقرار السياسي.
ويقول "نحن شعب لديه إرادة، شعب ولد في الحرب وعاش الحرب وما زال يقاتل"، متابعاً بتهكم "لولا لدينا خبرة طويلة الأمد في إدارة الأزمات، لكن القطاع أفلس منذ أمد".