النهار

تسلّقت القمّة الأقرب الى الشمس، لتكون في أقرب نقطة الى والدها الراحل (صور وفيديو)
المصدر: "النهار"
تسلّقت القمّة الأقرب الى الشمس، لتكون في أقرب نقطة الى والدها الراحل (صور وفيديو)
يمنى ناجي معلوف.
A+   A-
زحلة – دانييل الخياط
 
"إذا بدنا، منوصل"، على المرء أن يتمسك بدافعه حبلاً يصله بهدفه، فيتعملق ويبلغ قمته. خذوها من يمنى ناجي معلوف، التي تسلقت أخيراً البركان الخامد "تشيمبورازو" في "جبال الانديز" في "الإكوادور"، لتكون في النقطة الأقرب الى والدها، الذي توفي وهي في التاسعة عشرة من عمرها. إذ تتميز قمّة "تشيمبورازو" عن باقي القمم وحتى أعلاها، بأنها النقطة الأقرب الى الشمس على وجه البسيطة.
 
"أهديك القمة يا أبي، انا الآن في أقرب نقطة منك"، عبارة ذيلت بها يمنى الراية التي حملتها معها الى القمة، وقد طبعت عليها العلمين اللبناني والإكوادوريّ، تتوسطهما صورتها مع والدها الراحل، مؤرخة لإنجازها في 18 كانون الاول 2022.
وهناك، على القمة، على ارتفاع 6263 متراً عن سطح البحر، تبدّد الغيم وسطعت شمساً أتاحث ليمنى ورفاقها بأن يمكثوا نصف ساعة على القمة، فشعرت الابنة "بأنني مباركة".
 
علّمني الجبل
يمنى اللبنانية من بلدة رياق- قضاء زحلة، ابنة الـ 32 سنة، الزوجة والأم، تمارس هواية تسلق الجبال منذ سنتين. وقد تعرفت على هذه الهواية، بعد زواجها وانتقالها الى الإكوادور مع زوجها. تقول بأنّه في المرة الأولى التي وطأت فيها جبلاً، شعرت بأنها تنتمي إلى الجبال "وجدت نفسي (...) أتسلق الجبال، علمني دروساً كثيرة في حياتي. أتسلق الجبل، وأنا أحمل مشكلات حياتية، وأنزل منه وبحوذتي الحلول لها".
 

الدافع للمثابرة
نسأل يمنى عمّا يحتاجه تسلق الجبل، فتجيبنا: "الى تحديد الهدف منه. لأنه خلال الطريق، عندما تبدأ الصعوبات، سيتذكر المرء هدفه من هذه المغامرة ما سيحضّه على المتابعة والمثابرة".
انطلقت يمنى وصحبها في العاشرة ليلاً نحو قمة "تشيمبورازو"، حيث العوامل المناخية متطرفة، في رحلة دامت أكثر من 15 ساعة صعوداً ونزولاً. بلغوا القمة عند الثامنة صباحاً، وعادوا الى نقطة الانطلاق عند الثانية من بعد الظهر.
تروي لنا عن المشاعر التي صاحبتها خلال رحلة الصعود ليلاً. وسط الظلام والبرد القارس انتابها الخوف، وسألت نفسها "ماذا أفعل هنا؟ لماذا أتحمل كل ذلك؟" لتردف مؤكدةً: "في النهاية لا يمكن إلغاء المشاعر، بل يتوجب علينا أن نتعلم التعامل معها".
 
وتخبرنا أيضاً بأنه "عند الثالثة فجراً، غلبني البرد والنعاس، ما عاد جسدي قادراً على حملي، فسقطت أرضاً". لتضيف: "ولكن أنا الشخص نفسه عدت ووصلت الى القمة، كيف؟ لأنني رأيت نفسي على القمة منذ اللحظة الاولى التي انطلقت فيها نحوها (...)، وهذا يدل على أنه في مكان ما قد يتخلى عنك جسدك، وكذلك في الحياة قد يشعر الواحد بأنه غير قادر على المتابعة، ويفتقر إلى القوة للاستمرار، ولكنّ الجبل علمني بأنه عندما نضع هدفاً أمامنا، طاقتنا الذهنية أقوى من قدرتنا الجسدية على التحمّل. عندما يكون التحدّي كبيراً، علينا أن نتمسّك بالدافع، وانا كان سببي كبيراً".
 
وإزاء الجبل لا فرق بين أنثى وذكر، على كليهما أن "يمتثلا له، ويلبيا المتطلبات نفسها، ويضعا الطاقة نفسها". وتخبرنا يمنى بأنّ "هناك رجالاً لم يقدروا على إكمال الطريق الى القمة".
 
 
التواضع
تمضي يمنى قائلةَ بأن الجبل "علمني التواضع والصبر". وتشرح بأنه "أحياناً يأبى الجبل أن يستقبلك. فبعد أسابيع من التحضير يتم إلغاء الرحلة أو تتوجب العودة أدراجنا من منتصف الطريق بسبب العوامل المناخية. لغاية الدقيقة الاخيرة لا نعرف إن كان الجبل سيستقبلنا ام لا، وهذا يعلّم التواضع أمام الطبيعة".
لتسّلق قمة كمثل "تشيمبورازو" أصول، دونها مخاطر على الحياة: من المواظبة على التمارين الرياضية اليومية، الى اعتماد نظام غذائي خال من اللحوم الحمراء والامتناع عن احتساء الكحول قبل أسبوعين من موعد تسلقه. وكذلك الاستعداد على مدى شهرين لمواجهة الارتفاعات والتأقلم معها. وعليه فإنه تحضيراً  لقمتها الكبرى حتى الآن، بدأت يمنى بتسلق القمم تباعاً بحسب ارتفاعاتها: من قمة جبل فويا فويا (4263 متراً)، مروراً بقمة كوراسون (4790 متراً) الى قمة كايامبي (5790 متراً). "هناك خطر على حياتي إن لم أحترم هذا التسلسل" توضح يمنى، مضيفة: "احترام التسلسل، واعتماد نمط حياة معين لأتمكن من بلوغ العلو الذي أبتغيه، هذا هو التواضع". لتخلص الى أنها لم تكن تتصف بالصبر وتحرق المراحل، لكن الجبل "علمني في حياتي الشخصية، أن أجزّئ أهدافي، وأن أرسمها كخريطة، لأبلغ مرادي".
 
وصلت يمنى الى القمة، الى أقرب نقطة الى والدها الراحل، ولكن ليس إلّا. هناك "شهقت بالبكاء". "من فوق، ثمة بعدٌ مختلف للحياة، لشخصيتك، للعالم. هناك على القمة، يتواضع الإنسان أمام عظمة الخالق".
 
 
  
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium