أكتب هذه السطور بقلب يكبر بشاب تُرفَع له القبّعة، على إصراره ومبادئه النبيلة الزاخرة بالاعتزاز، فكيف بقلبَي والدَي إيلي خوند؟ كم شعرا بالفخر والتعويض المعنويّ في ما رأياه من ثمرة تربية تجلّت في كلمته التي ألقاها في حفل تخرّجه من الجامعة الأميركيّة في بيروت منذ أسبوعين؟
بثقة نفس لم تهتزّ، وبصوت جامد لم يرتجف، وببسمة جميلة كلّها أمل، ألقى إيلي، خرّيج هندسة الكمبيوتر والإلكترونيّات بدرجة امتياز عالٍ، وإدارة الأعمال، كلمة تخرّجه. ذكر أنّ والديه رُزقا به بعد 11 عاماً من زواجهما، والده كان حارس مدرسة ووالدته عاملة نظافة، وكانت تحمله معها أينما ذهبت إلى عملها. "هذا الطفل يتخرّج اليوم"، كلمة كانت كفيلة بأن أشعلت حفل التخرّج، وطغى التأثير على جميع الحاضرين، لتُرسِلَ معانيَ وعبراً كثيرة.
كان إصرار إيلي على رواية تجربته حين قال: "إيصال رسالة إيجابيّة وربط تجربتي الشخصية بأمر يتأثر به الجميع ويستفيد منه لتغيير شيء ما في حياته". ولم يتردّد في سردها على الملأ قطّ، "فأن يُستفاد من هذه التجربة أهمّ بكثير من التجربة في حدّ ذاتها".
لم يكن إيلي يعلم عمّا سيتحدّث حين وصل البريد الإلكترونيّ من الجامعة يسأل الطلّاب عن الراغبين في إلقاء كلمة بمناسبة التخرّج. بحث في محرّكات البحث عن كلمة تليق بالمناسبة فلم يجد. و"قرّرت أن أروي تجربتي الخاصّة لتخرج من قلبي وتصل إلى قلوب الناس، وأن أنقلها حقيقيّة"، يقول إيلي لـ"النهار"، مضيفاً: "أدرك أنّ تجربتي وما مررت به لا يهمّ الكثيرين، لكنّني كنت متأكّداً أنّها ستلهمهم وتحثّهم على عدم الاستسلام".
والدا إيلي اللذَان حضرا حفل التخرّج لم يعلما أنّه سيروي قصتيهما في هذا اليوم المجيد. كان خطاب الشابّ باللغة الإنجليزية و"هي لغة لا يتقنها والداي، لكنّ الترجمة باللغة العربية على الشاشة العملاقة، كانت كفيلة بأن تجعل أمي ترتجف وهي تصوّرني وتبكي من شدّة فرحها، وكذلك أبي، فهما لم يتوقّعا قط أن أروي ما رويته في هذه المناسبة".
دار التصفيق الهائل خلال حفل التخرج، لاسيّما تصفيق الطلاب الذين لم يكن سوى 4 منهم فقط يعرفون القصّة التي سردها إيلي، إلى جانب إدارة الكليّة التي صادقت على مضمون الخطاب لإلقائه. وكانت التهاني حارّة جدّاً، و"بدأت أتلقّاها من أشخاص لا أعرفهم، ولم يهدأ جوّالي منذ أن نُشر الفيديو أمس". وأبكى إيلي الكثيرين مِمّن حضروا الحفل والفيديو، وشجّعهم، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها الجميع. فـ"لو أنّني رويت هذه القصّة قبل الأزمة، لما كنت تلقّيت هذا الكمّ الهائل من التفاعل الرائع، لكنّ ما أدليت به حفّز الشباب في هذه الظروف الصعبة".
يروي الشاب أنّه كأيّ فتى طائش لا يدرك ما يقدّمه أهله من تضحيات، لم يكن بارعاً في المدرسة. لكنّه تنبّه إلى حاله وإلى واقعه عندما وصل إلى الشهادة المتوسّطة، فأدرك أنّ أهله غير مقتدرين مادّياً، وأنّ عليه أخذ المبادرة. وكانت المبادرة بأن أجتهد وثابر وحسّن علاماته كلّها ليصبح من الأوائل، ما خوّله نيل مِنح لاستكمال دراسته الجامعية والفوز بمسابقات، كما حصل على مساعدة اجتماعية أيضاً من الجامعة لاستكمال تعليمه.
لإيلي تحية على إرادته القوية وإصراره للوصول في عصر تكثُر فيه المغريات.
ولوالدَي إيلي تحية من القلب على هذه التربية، وهذا الفخر العظيم الذي أشعرَنا به ابنهما... فعلاً "تعبتوا ولقيتوا".