فوجئت مجموعة من محبّي المشي في وادي_قاديشا بتغيير معالم الدروب والطرقات القديمة في وادي قزحيا، كما صعقت برؤية جرّافات وشاحنات تنقل جذوع الأشجار الحرجيّة المعمّرة دون حسيب أو رقيب، وكلّ ذلك يحصل تحت شرعية رخصة تشحيل صادرة عن وزارة الزراعة غيّرت كليّاً معالم المكان من اختفاء درب المشاة الذي يربط وادي قزحيا بدير سيدة قنوبين، إلى شقّ طرقات بعرض حوالي عشرة أمتار من مداخل الدير وصولاً إلى مشارف مزرعة النهر من جهة الغرب وقرية الفراديس جنوباً...
ويطرح الناشط البيئي سمير غصن السؤال: "كيف تحولّت رخصة تشحيل ٤٣٠ شجرة سنديان معطاة من قبل وزارة الزراعة بناءً على طلب من رئيس الدير الأب كميل كيروز إلى مجزرة للأشجار المعمّرة وشقّ طرق بعرض ١٠ أمتار؟
وهل راقبت وزارة الزراعة تطابق الأعمال مع رخصة التشحيل المطلوبة؟"
ويضيف: "أيّ عمل في هذا الموقع يتطلّب موافقة الوزارات المعنيّة وخاصّة وزارة الثقافة ووزارة البيئة التي تُعنى بحماية هذا الموقع الذي صُنّف موقعاً طبيعياً محميّاً من قبل وزارة البيئة عام 1997، إذ يعتبر منطقة_حساسة_بيئياً بالغة الأهميّة من حيث غناه بالتنوّع البيولوجي ولكونه يشكّل موئلاً للعديد من الحيوانات والنباتات والأشجار المستوطنة فضلاً عن احتوائه لمجرى نهر قاديشا."
لكن وبعد أن رفعت الجمعيات البيئية والناشطون البيئيون الصوت مستنكرين "الإجرام اللاحق بطبيعة الوادي"، وبعد ورود شكاوى حول وجود مخالفات قطع أشجار في منطقة وادي دير قزحيا، توجّه فريق من مركز أحراج بنشعي تحت إشراف رئيسة مصلحة زراعة لبنان الشماليّ صونيا الأبيض إلى الموقع المذكور، حيث تمّ الكشف على الأعمال، وتوقيف رخصة التشحيل الصادرة عن الوزارة لمخالفة شروطها، وجرى تسطير محضر ضبط في حقّ المخالفين وإحالتهم إلى قضاء المختصّ.
وفي سياق متّصل، أجرى وزير الزراعة اتّصالاً هاتفياً بالمدّعي العامّ البيئي في الشمال وأطلعه على المستجدات المتعلّقة بهذا الموضوع، وخلال الاتّصال نوّه الوزير الحاج حسن بتعاون القضاء في الإسراع ببتّ الأحكام المرتبطة بقطع الأشجار والتعدّي على الثروة الحرجيّة في لبنان.
النائب ميشال الدويهي شكر وزارة الزراعة على تجاوبها وتحرّكها السريع "بعد البيان والشكوى التي تقدّمنا بها البارحة، على أمل أن يلتزم الجميع بحكم القانون وأن يحاسب من تسبّب بالاعتداءات على بيئة وادي قاديشا المقدّس."
وأضاف: "المتابعة من جهتي مستمرّة حتى الوصول إلى خواتيم هذه القضية وغيرها من القضايا."
وصدر عن مكتب النائب ستريدا جعجع، البيان الآتي:
"لقد فُجعنا صباح اليوم، لدى رؤيتنا صور مجزرة بيئيّة بكلّ ما للكلمة من معنى، يتمّ ارتكابها ضمن نطاق وادي قاديشا المقدّس، وتحديداً في الأراضي المحيطة بدير مار أنطونيوس قزحيا، لذا يهمّنا في هذا الإطار التشديد على النقاط الآتية:
أوّلاً، إنّ وادي قاديشا المقدّس المصنّف على لائحة التراث العالميّ منذ العام 1998، لم يكن ولن يكون بالنسبة إلينا مجرّد موقع طبيعيّ أو محميّة بيئيّة، وإنّما هو يجسّد تاريخنا وجذورنا، لذا الحفاظ عليه، بالنسبة إلينا، مردّه ليس فقط لأهداف بيئية وسياحية وزراعيّة وإنّما القضيّة قضيّة مقدّسات وهويّة ووجود وتاريخ. فهذا الوادي بالنسبة إلينا هو إرث بطاركتنا الموارنة المقاومين الشهداء الذي يقع على كاهلنا وعاتقنا اليوم مسألة الحفاظ عليه. انطلاقاً من هنا، لم نتهاون أبداً منذ وصولنا إلى سدّة المسؤوليّة في العام 2005، أيّاً كان الخطر صغيراً أو كبيراً، والمخالفة عابرة أو جسيمة، في اتّخاذ القرارات اللازمة من أجل الحفاظ على الوادي ودرء أيّ خطر، كما إزالة أيّ مخالفة أو تعدّ. كما أنّنا لم نتراجع يوماً، ولم نضرب أخماساً بأسداس سياسيّة، واتّخذنا المواقف والقرارات اللازمة في وجه كلّ المشاريع التي كانت تعرّض هذا الإرث للخطر.
ثانياً، صحيح أنّ وادي قاديشا المقدّس يقع بأغلبيّته الساحقة (قرابة الـ90 في المئة) ضمن نطاق قضاء بشرّي، إلّا أنّ هناك جزءاً منه يقع ضمن نطاق قضاء زغرتا الزاوية، وفي هذا الجزء ترتكب المخالفة البيئية الحاصلة، انطلاقاً من هنا، نناشد نوّاب قضاء زغرتا الزاوية طوني فرنجيّة، ميشال معوّض وميشال الدويهي أن يحذوا حذونا ويسهروا على تطبيق القوانين في ما يتعلّق بالوادي، كما نطالب رئيس اتّحاد بلديات قضاء زغرتا زعني خير أن يتعاطى مع مسألة الوادي بالطريقة نفسها التي يتعاطى فيها رئيس اتّحاد بلديات قضاء بشرّي إيلي مخلوف، مشكوراً، وذلك عبر اتّخاذ التدابير السريعة والحازمة لإيقاف كلّ التعدّيات والمخالفات وتطبيق القوانين على الجميع من دون أيّ استثناء، ومحاسبة كلّ مخالف بحسب ما تقتضيه القوانين المرعيّة الإجراء.
ثالثاً، إنّ مسألة الحفاظ على الوادي لا تقع فقط على كاهل المرجعيات والسلطات المحليّة المطالبة بالمتابعة الدائمة والسهر على تطبيق القوانين، وإنّما تقع المسؤوليّة أيضاً على كاهل السلطة المركزيّة المتمثّلة بوزراء الداخلية، البيئة، الثقافة والزراعة، لذا ندعو جميع الوزراء المعنيّين بالتحرّك فوراً لإيقاف المخالفة الحاصلة، كما ندعو السلطة القضائيّة المتمثّلة بالمحامي العام البيئيّ في الشمال القاضي غسان باسيل بفتح تحقيق جدّي من أجل محاسبة كلّ مخالف بحسب ما تقتضيه القوانين المرعيّة الإجراء".
وصدر عن مكتب الإعلام في اتّحاد بلديات قضاء زغرتا البيان الآتي: "ردّاً على ما ورد على لسان النائب ستريدا جعجع في ما يختصّ بموضوع دير مار أنطونيوس قزحيا في وادي قاديشا.
أوّلاً صحيح أنّ 90 في المئة من الوادي المقدّس جغرافياً يقع ضمن نطاق قضاء بشرّي، والجزء الآخر منه يقع ضمن نطاق قضاء زغرتا، إلّا أنّ وادي قاديشا المقدّس يعني جميع اللبنانيين وخاصةً المسيحيين الذين يجب أن يحافظوا عليه برموش عيونهم لما له في تاريخ الموارنة، ولاحتضانه قديسين وبطاركة ومطارنة ونساكاً، ولما له على اللغة العربية التي حمتها مطبعة دير قزحيا من التتريك. لا أن نحدّد نسب ملكيته، إذ إنّنا كاتّحاد بلديات قضاء زغرتا نعمل سوياً مع اتّحاد بلديات قضاء بشرّي برئاسة الصديق الرئيس إيلي مخلوف وضمن جمعية إدارة وادي قاديشا برئاسة سيدنا المطران جوزيف النفاع تحت راية غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي للحفاظ على هذا الموقع المقدّس.
ثانياً، إنّ الأشغال التي قام بها رئيس دير مار أنطونيوس قزحيا الأب كميل كيروز نفذّت من دون علمنا، ولا تحمل أيّ ترخيص من الاتحاد أو أيّ تغطية من قبلنا، فعندما علمنا بالمخالفة قمنا بواجبنا حسب الأصول، لذا لا داعي للكلام الشعبويّ، فنحن نتعاطى مع مسألة الوادي بكلّ مسؤوليّة، وهناك وزارات معنيّة تابعت هذا الموضوع وعمدت إلى التحقّق وأصبحت المعلومات بعهدة المعنيين وليس بعهدة لا نواب زغرتا ولا رئيس اتّحاد بلديات قضاء زغرتا زعني خير.
ثالثاً: إنّ رئيس اتّحاد بلديات قضاء بشرّي السيد ايلي مخلوف أخ وصديق واعتقد أنّه يتعاطى مع المخالفات كما نتعاطى معها نحن تحديداً، أي عبر عدم إعطاء أيّ تراخيص تشوّه صورة الوادي الدينية والبيئية، لاسيّما وأنّه مدرج على لائحة التراث العالميّ. وفي حال حصول أيّ مخالفة فإنّه مثلنا يسارع إلى إبلاغ السلطات المختصّة لقمع المخالفات.
ختاماً نلفت إلى أنّنا الأكثر حرصًا على البيئة وعدم قطع الأشجار، وما الاخضرار الذي يعمّ قضاء زغرتا إلّا أكبر دليل على احترامنا للبيئة وحرصنا عليها".