أكان يشعر حسين عقيل أنّه سيكون عريساً كما قال عندما طلب تصفيف شعره وذقنه "مثل العريس"؟ أكان يشعر أنّ يومه سيكون الأخير على الأرض، وأنّه سيكون شهيد الوطن مع فريق عمل "الميادين" خلال تغطيتهم للحرب في الجنوب؟
من لا يعرف حسين الذي استشهد مع فرح عمر وربيع المعماري، يجب أن يتوقّف للحظات ليتسنّى له أن يتعرّف على هذا الشاب الطيّب والخدوم والمحبّ كما يصفه عارفوه.
أبى حسين أن يغادر بلدته وأرضه، بقي هناك يساعد كلّ من يحتاج إلى مساعدة، لا يرفض طلباً ويركض أمام الجميع لمدّ يد العون لهم. كان يحبّ الناس، مندفعاً وعاشقاً الخدمة.
عُرف بالشهيد الحطّاب الذي يحب أرضه، حريص على تراب بلدته وأهلها، كان محبوباً ومعطاءً لأقصى حدود بتواضعه يعمل بكل ما أتيح له من فرص للعمل، كان يعمل حطاباً أو يساعد في أعمال البلدية أو يلبّي حاجة كل من يحتاجه، لم يكن يرفض طلب أحد، وفق ما أكد قريبه ومختار بلدة الجبين جعفر عقيل لـ"النهار".
استشهد حسين خلال تواجده مع فريق عمل قناة "الميادين" أي مع الصحافية الشهيدة فرح عمر والمصوّر الشهيد ربيع معماري، على طريق طير حرفا-الجبين، حيث استهدفهم صاروخ تمّ إطلاقه من طائرة إسرائيلية كانت تحلّق في سماء المنطقة.
لم يبقَ حسين شهيد بلدته فقط، بل أبلغت قناة الميادين عائلته أنه بات واحداً من عائلة الميادين وزميلاً لهم. هكذا قررت إسرائيل أن تسرق حياته كما سرقت حياة فرح وربيع، وتقتل أكثر من 60 صحافياً منذ بداية الحرب في قطاع #غزة.
عندما تغوص في تفاصيل حياته، تدرك جيّداً أنك أمام شاب شجاع لم يكن يخاف شيئاً. وكما يروي المختار جعفر عقيل: "كان يحب مساعدة كلّ من يحتاج إلى خدمة، ومنذ بداية الحرب في غزة، لم يترك حسين بلدته بل كان يحميها ويهبّ إلى مساعدة الطواقم الصحافية بما أنّه يعرف المنطقة جيّداً. هكذا بنى حسين علاقة جيّدة مع الصحافيين، ولم يكن أحد يتوقع أن تقتلهم اسرائيل بهذه الطريقة، خصوصاً أنهم كانوا في نقطة متعارف عليها ولم يتخطوا نقاط الخطر."
كان حسين صاحب القلب الطيب واليد الممدودة للخير، قتلته إسرائيل مخلفة وراءها زوجة حاملاً وابنته التي تبلغ من العمر 3 سنوات. ويخبرنا عقيل عن فرحة تنتظرها العائلة رغم الوجع والغصة الكبيرة والحزن على رحيله، "فزوجته حامل، ونتمنى أن يكون حملها صبياً، لأننا كنّا نناديه "أبا علي". ولسخرية القدر، في اليوم الذي استشهد فيه توجّه إلى محل الحلاقة وطلب أن يصفف شعره وذقنه كأنّه عريس، لم يكن يتصور أن يكون ذلك اليوم يومه الأخير في هذه الحياة".
كان حسين يتواجد دائماً مع الزميلين الشهيدين فرح عمر وربيع المعماري خلال تغطيتهما الأحداث في الجنوب، كان "المقاوم الترابي" والفقير الذي كان يعمل من أجل لقمة العيش. لم يكن يطلب الكثير، لكنّه قُتل قبل أن يرى ابنته تكبر أمام عينيه، وقبل أن يعرف أن زوجته حامل بطفل آخر.
في الفيديو الأخير الذي صورته الشهيدة فرح عمر، كانت كلمات حسين الأخيرة تطمينية لوالدة فرح "رواق يا حاجّة ما في شي".
ويسترجع المختار عقيل آخر حديث مع حسين قبل يوم واحد من استشهاده، حين "سألني الأخير إذا كنت بحاجة إلى أيّ شيء، فأجبت "أريد سلامتك". قُتل حسين وأفجع كلّ من عرفه بموته، كان صاحب الابتسامة الجميلة والقلب الطيب، رحل حسين وبقيت أعماله ومحبة الناس حية في قلوب محبيه وعائلته.