انتهاء الهدنة في غزة واستئناف جيش الاحتلال الاسرائيلي عدوانه على اهاليها، انعكس على القرى الحدودية اللبنانية وسط ترقب استمر طوال ساعات امس. فكيف بدت اوضاع القرى الجنوبية مع اولى ساعات انتهاء الهدنة؟
منذ بدء سريان الهدنة في غزة لوحظت حركة عودة لافتة لأهالي البلدات الحدودية الجنوبية التي سجَّل بعضها ارقاماً قياسية في عدد العائدين، ولا سيما في القطاع الاوسط، وانسحب المشهد على معظم البلدات حتى تلك التي تمثل ما بات يُعرف بالحافّة الامامية، أي تلك المحاذية للسياج الحدودي مثل عيترون وبليدا ويارون وكذلك عيتا الشعب ويارين وعلما الشعب.
"انتظار صباحي ... واستعدادات"
لم تُسجل حركة نزوح متجددة من البلدات الجنوبية الحدودية مع ساعات صباح امس على رغم استئناف الجيش الاسرائيلي عدوانه على غزة وعودته لارتكاب المجازر في القطاع المحاصر، وحافظت البلدات الحدودية على هدوئها الحذر بعدما خرق جيش الاحتلال الهدنة غير المعلنة مع لبنان في اكثر من منطقة.
فقد شهد محيط موقع الراهب قبالة عيتا الشعب تمشيطاً اسرائيلياً محدوداً وذلك بعد ايام من الهدوء، فيما سُجل تحليق متواصل للمسيّرات الاسرائيلية فوق اجواء المنطقة الحدودية، ولا سيما فوق بلدات قضاء بنت جبيل.
وخلال جولة لـ"النهار" على عدد من البلدات الحدودية لم تُلاحظ حركة نزوح تُذكر باستثناء بعض العائلات التي فضّلت العودة الى المكان الذي اختارته للاقامة القسرية بعد 8 تشرين الاول الفائت، وعزت ذلك الى عدم الجدوى من البقاء في القرى الحدودية طالما ان المدارس مقفلة وكذلك الادارات الرسمية، ولم يصدر أي تدبير يعيد الامور الى ما كانت عليه قبل بدء العدوان الاسرائيلي، فضلاً عن ان انتهاء الهدنة قد يستتبعه اعادة الاعتداءات الاسرائيلية على اطراف بعض البلدات، وان الامر يتسبب بهلع لدى الاطفال، لذلك كان القرار بالعودة وإن بأعداد ليست كبيرة.
من الاسباب الاخرى ان البقاء في البلدات الحدودية لمن ليس لديه عمل طارىء أو ما يجب القيام به بعد انتهاء موسم قطف الزيتون، غير ضروري، عدا ان بدء شهر البرد يستوجب تحضيرات وإعداد العدة للشتاء عبر تأمين المازوت او الحطب للتدفئة، وهذا يتطلب صرف مبالغ غير قليلة في وقت تعيش تلك العائلات حالة اشبه بحال طوارىء في ظل عدم وصول أي مساعدات من الجهات الرسمية سواء للنازحين او العائدين.
اما السبب الثالث فيكمن بطبيعة الحال في الاوضاع الامنية وامكان عودة التوتر الى الجنوب في حال قرر جيش الاحتلال استئناف اعتداءاته على الجنوب اسوة بغزة.
الى ذلك، لوحظ ان عدداً من العائدين حضّروا اغراضهم وتركوها في سياراتهم التي ركنوها الى جانب المنازل وبعيداً قدر الامكان عن الاماكن المكشوفة، ليكونوا على استعداد للمغادرة فور بدء الاعتداءات.
في المقابل، أصر آخرون على البقاء في منازلهم، خصوصاً اولئك الذين ليس لديهم اطفال او كبار في السن.
ففي بنت جبيل التي شهدت في الايام الاخيرة عودة شبه طبيعية للحياة فيها وعاد سوقها التي تنظم كل خميس الى العمل واستقبل زبائنه وإن بأعداد ليست كالتي كانت تقصده قبل العدوان الاسرائيلي، فإن عددا من اهاليها فضلوا البقاء فيها مع اعادة تأكيدهم أن "حياتهم ليست اغلى من حياة المقاومين الذين يحرسون الحدود ويسهرون على امن البلدات الحدودية، وان المقاومة ستتصدى حكماً لأي اعتداء اسرائيلي محتمل"، وهذا الامر ينسحب على الجنوب سواء خلال الهدنة أو بعدها.
اما في جارتها عيناتا فبدت الحياة مماثلة مع عودة أعداد لا بأس بها من اهاليها، ولم تسجل تلك البلدة أي حالات نزوح تُذكر باستثناء عدد قليل جداً من الذين تفقّدوا منازلهم وعادوا صباح الجمعة الى اماكن نزوحهم سواء لدى اقاربهم او في الامكنة التي اختاروها موقتا في البلدات الساحلية او في العاصمة او جبل لبنان.
بلدة كونين لم تسجَّل فيها حركة نزوح، بل أصر الاهالي على البقاء فيها، مع التذكير بان معظم البلدات الجنوبية تسجل ارقاماً كبيرة في الاغتراب، وبالتالي فإن أعداد سكانها تتفاوت بين بلدة واخرى.
عيترون
عندما بدأت الهدنة عاد الى بلدة عيترون الحدودية ما يناهز الـ6000 شخص أي ما يمثل غالبية سكانها، وعند انتهاء الهدنة لم يلاحظ تجدد موجة النزوح، علماً ان البلدة شهدت حالات نزوح لافتة بعد تعرضها على مدى الاسابيع الفائتة لقصف من المواقع الاسرائيلية سواء في المالكية او في بياض بليدا المقابلين للبلدة. وبعد نحو 5 ساعات على انتهاء الهدنة لم يغادر السكان بلدتهم ومعظمهم من المزارعين الذين عادوا للاهتمام بمزروعاتهم وخصوصاً التبغ، وتلك الشتلة بحاجة لاهتمام على مدار السنة وتمثل مورداً اساسياً لعشرات العوائل في البلدة.
وعزا سكان البلدات الحدودية بقاءهم في بلداتهم كتحدٍ للمستوطنين في الجليل الذين نزحوا ولم يعودوا الى مستوطناتهم على رغم سريان الهدنة.
الى ذلك، كان الترقب سيد الموقف مع رصد أي اصوات تُسمع في البلدات الحدودية للتمييز في ما بينها سواء كانت صواريخ اعتراضية او تفجير قذائف وصواريخ غير منفجرة او خرق لجدار الصوت تنفذه المقاتلات الاسرائيلية او حتى تدريبات داخل الاراضي المحتلة.
كل هذا الترقب استمر حتى ساعات عصر امس وسط استمرار تحليق المسيّرات الاسرائيلية على ارتفاع منخفض ومتوسط فوق المناطق الحدودية.