اعترف العالم بقيمة المنقوشة في تراثنا، وأُدرجت على قائمة الأونيسكو للتراث العالمي الثقافي غير المادي. لا يعني هذا التكريم وجبة إفطار فحسب، بل محافظة على طقوس ثقافية للطهو، وعلى مهارة توحّد العائلات والمجتمعات عبر الأجيال، وعلى ما تعنيه المنقوشة في التراث الثقافي اللبناني، وليس الغذائي فقط. ففي وصفها للمنقوشة كإرث ثقافي، اعتبرت الأونيسكو أنّ المنقوشة تمثّل "ممارسة الطهو الرمزية في لبنان".
"تركت المدرسة، ولحقت أبي، وتعلّمت منه هذه الصنعة وورثتها عنه، ونحن في هذه المهنة منذ أكثر من 40 عاماً". هذا ما يقوله وسيم صعب صاحب أحد افران بيع المناقيش في بيروت. يروي أنّه يستيقظ عند الـ5:00 صباحاً ليبدأ بتحضير العجينة، ويسمّي عليها لأنّ "ذلك يبارك الرزق".
المنقوشة أساسية في فطور اللبنانيين، لا سيما منقوشة الزعتر، بحسب وسيم، فهي "أكلة الفقير والغني". ولكون العمل بإعداد المناقيش شاقاً يفضّل وسيم ألّا يورثه لأولاده، على الرغم من أنه أعال أسراً كثيرة. "لكن جيلنا يختلف عن الجيل الجديد" يقول مفتخراً "بأنّنا ساهمنا بإيصالها إلى العالمية، فالطهو ثقافة يتقنها اللبناني بجدارة على مستوى العالم".
تمثّل قوائم التراث الثقافي غير المادي للأونيسكو مجموعة من التقاليد الثقافية الأساسية التي يجب الحفاظ عليها للأجيال المقبلة بسبب ثرائها الثقافي وأهميتها للمجتمع.
وإدراج المنقوشة على لائحة التراث الثقافي العالمي للأونيسكو هو "لحظة ثقافية وتراثية ثانية هذا العام، بعد تسجيل معرض رشيد كرامي في طرابلس على لائحة التراث العالمي. وهو اعتراف عالمي بقيمة المنقوشة في تراثنا اللبناني، واحتفاء بالتقاليد الثقافية المرتبطة بها"، تبعاً لما تتحدّث به المندوبة السابقة للبنان لدى الأونيسكو سحر بعاصيري لـ"النهار". وهذا الإدراج، هو "مصدر فخر لنا كلبنانيين ولجميع محبّي المنقوشة، وهو تكريم لجميع صانعي المنقوشة الذين ينقلون هذه المهارة من جيل إلى جيل، ويبقونها جزءاً جميلاً من تراثنا الحي"، تقول بعاصيري.
فالمنقوشة بالنسبة للبناني تعني الكثير، "فهي جزء من انتمائه وهويته". وصحيح أنّ هذه الوجبة تحضَّر في جميع دول المشرق، لكنها تتحلّى بخصوصية في لبنان. ووفق بعاصيري، "المنقوشة حاضرة في أذهاننا كلبنانيين، ونحملها معنا أينما ذهبنا".
وما جعل المنقوشة على لائحة التراث الثقافي العالمي أيضاً أنّها "مهارة تمتد على مختلف المناطق اللبنانية، وهي عابرة للطوائف والأحزاب السياسية والمستويات الاقتصادية والمادية والاجتماعية. يدخل في تحضيرها جميع أفراد العائلة، وهي أوّل ما يخطر في ذهن اللبناني لدى سؤاله عن الفطور؛ فالمنقوشة تجمعنا ولها رمزية خاصة بالنسبة إلينا"، تشدّد بعاصيري.
والتراث الحيّ وغير المادي هو مهارات تعتبرها المجتمعات جزءاً من تراثها الثقافي. وفي حالتنا نتحدّث عن المنقوشة. و"اعتبار المنقوشة جزءاً من هويتنا وانتمائنا وتناقلها من جيل إلى آخر، هو ما نكرّمها لأجله اليوم"، وفق بعاصيري.
وتولي الأونيسكو تقديراً للمنقوشة على مستوى حرفيّة ومهارات وطقوس تحضيرها. فأثناء تحضير العجينة، يصلّي الممارسون من أجل أن "ترفخ" (يكبر حجمها)، إذ يقرأ المسلمون بداية الفاتحة، والمسيحيون يتلون عدّة صلوات، ويرسمون إشارة الصليب قبل ترك العجينة ترتاح.
وبحسب بعاصيري، هناك موروثات تراثيه ثقافية عديدة في لبنان يمكن إدراجها، وقد تكون خاصّة بلبنان، أو مشترَكة مع دول أخرى، مثل نفخ الزجاج في منطقه الصرفند، أو طريقة زرع بعض المزروعات.
والجدير بالذكر أنّه في العام 2021، سجّل لبنان، بمشاركة 13 دولة عربية، الخط العربيّ على لائحة التراث الثقافي العالمي للأونيسكو، كما سجّل الزجل في العام 2014 على اللائحة نفسها.