لا يخفى على أحد أنّ الأزمة الاقتصادية دفعت بالمواطن اللبناني وبكل المقيمين على الأراضي اللبنانية إلى البحث عن بدائل متعلقة باستهلاكهم اليومي بغض النظر عن طبيعة هذا الاستهلاك.
وعلى هذا الصعيد، تظهر اللحوم على أنواعها، كواحدة من المواد الغذائية الأساسية التي ارتفع سعرها منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان، بشكل تصاعديّ ما جعلها تتحوّل إلى مواد شبه نادرة على موائد شريحة واسعة من اللبنانيين.
وبالتالي، وبهدف البحث عن بدائل للحوم المعتادة تقع في خانة الأقل كلفة، ظهر موضوع استهلاك اللحوم الهندية إلى العلن، فهل تهدد هذه اللحوم صحة الناس؟ وما هي الأسباب التي قد تضعها في دائرة المواد الخطرة؟
وزير الزراعة: لعبة تجارية تتجدّد كل عام
أشار وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن في حديث لـ"النهار" إلى أنّ "وزارة الزراعة تقوم بواجباتها في ما يتعلق باللحوم المبردة المستوردة بما فيها اللحوم الهندية. ويقتصر دور وزارة الزراعة على إجراء الفحوصات اللازمة قبل إدخال اللحوم من المرفأ إلى داخل البلاد، وحتى الساعة نجزم بأن كلّ اللحوم الهندية التي دخلت إلى لبنان مطابقة للمواصفات المطلوبة".
وغمز وزير الزراعة من قناة التنافس التجاري قائلاً إنّه "في كلّ عام تظهر لعبة تجارية لبعض الأهداف المتعلقة بالمبيع وغيره، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ عملية متابعة اللحوم المبردة في لبنان تخضع لآلية تشرف عليها وزارتَي الاقتصاد والصحة".
وفي سياق متصل، أكّد رئيس مصلحة مراقبة التصدير والاستيراد في وزارة الزراعة والحجر الصحي البيطري يحيى خطار لـ"النهار" أنّ "الإشكالية المطروحة في ما يتعلق باللحوم الهندية هي داخلية، اي مرتبطة بالواقع العام في البلاد، لاسيما في موضوع الكهرباء وإشكالية التبريد التي تطرح حولها عدة علامات استفهام".
وأشار إلى أنّ "المتابعة الداخلية هي من اختصاص وزارة الاقتصاد ومديرية حماية المستهلك، وهنا من الممكن الحديث عن غياب الرقابة الكافية، ما يؤدي إلى بعض الخروقات".
وتابع: "اللحوم الهندية التي تأتي إلى لبنان هي من لحوم الجواميس حصراً ويتم ذبحها في ملاحم إسلامية، ونقطة قوتها إن صحّ التعبير أنها رخيصة الثمن، إذ إنّ أجود أنواع كيلو اللحم الهندي لا يتخطى الـ8 دولارات في حين أن اللحوم الأخرى تبدأ من 16 دولاراً، وهنا من الواجب التحدث عن عمليات غش يقوم بها بعض أصحاب الملاحم وليس جميعهم، إذ إنهم يعمدون إلى الخلط بين اللحوم الأخرى واللحوم الهندية وبيعها بأسعار مرتفعة، وهذه العملية تصح بشكل كبير في بيع "اللحمة المفرومة".
بكداش: لحوم حيوانات نافقة ومريضة
بدوره اكّد رئيس اتحاد نقابة القصابين وتجار المواشي معروف بكداش لـ"النهار" أنّ "النقابة تقف ضدّ استيراد اللحوم الهندية وذلك لسبب رئيسي وجوهري متمثل في أنها مجهولة المصدر بشكل دقيق وواضح"، معتبراً أنّ "هذه اللحوم قد تكون من حيوانات مريضة أو نافقة". لذلك نعيد ونكرّر وقوفنا بوجه إدخال اللحوم الهندية إلى لبنان.
وفي الإطار عينه أشار أمين سرّ النقابة ماجد عيد لـ"النهار" إلى أن "الإشكالية الأساسية هي في عدم الوضوح داخل السوق اللبنانية، إذ دخل إلى لبنان ما لا يقل عن 15 ألف طن من اللحوم الهندية، والقانون اللبناني يلزم اللحامين والتجار بإعلان أنواع اللحوم التي يبيعونها محددين مصدرها وتاريخها، لكن ما من أحد يلتزم بالقانون، ونجد أن شريحة واسعة من التجار تعمد إلى خلط اللحوم بهدف التوفير دون إعلام الزبائن".
واعتبر أن "لبنان يستورد أرقى وأفضل أنواع اللحوم، فهل من المنطق خلط هذه اللحوم باللحوم الهندية ذات النوعية المتدنية جداً؟". وأشار إلى أن "الكثير من البلدان تمنع استيراد اللحوم الهندية أو تقوم بالتدقيق فيها بشكل كبير جداً كمصر وبعض دول أوروبا".
وقال عيد: "منذ العام 2004 ونحن نرفع الصوت في هذا الإطار، والمطلوب اليوم من الجهات الرقابية هو أداء دورها بشكل فاعل للحفاظ على صحة المواطن اللبناني، الذي ندعوه لشراء اللحوم التي تتوفر فيها العظام إذ إن نسبة أكثر من 95% من اللحوم الهندية تصل إلى لبنان مجلّدة وخالية من العظام".
وختم قائلاً " للأسف وفي ظل تراكم الأزمات اللبنانية نجد أن التدهور يطال كل القطاعات. ففي قطاع اللحوم وبالإضافة إلى اللحم الهندي ذي الجودة المتدنية يلجأ البعض اليوم إلى بيع الزبائن لحوم الخنازير على أنها لحوم غنم".
برو: 25% من اللبنانيين يستهلكون اللحوم الهندية
وفي حديث مع "النهار" اعتبر رئيس جمعية المستهلك في لبنان زهير برو أنّ "شراء اللحوم الهندية ليس موضوعاً جديداً في لبنان، لكنه ازداد مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد. فمع الدخول في مرحلة الانهيار، أصبح الاستيراد يعتمد على البضائع الأرخص بعيداً عن موضوع الالتزام بالنوعية عند التاجر اللبنانيّ الذي يعتبر تاريخياً "شاطر" ويسعى إلى الربح السريح".
وأضاف: "يمكن القول اليوم إن نسبة لا بأس بها من اللبنانيين تقبل على استهلاك اللحم الهندي، وقد تتخطى هذه النسبة الـ25%، وبالتالي هذا ما أدى إلى زيادة الطلب على اللحوم الهندية وعلى استيرادها من قبل التجار بشكل عام".
ورأى برو أنّ "الحديث عن اللحوم لجهة مدى مطابقتها للمواصفات المطلوبة، لا يعتمد على تحديد مصدرها أو بلد المنشأ وحسب، إنما هناك آلية تنطلق من تحديد مصدر اللحوم وصولاً إلى طاولة المستهلك وما بينهما من نقل وتخزين وتبريد بالإضافة إلى عمر الحيوان".