بني مسجد الامام الأوزاعي في أوائل العصر العباسي في عهد الخليفة الثاني أبي جعفر المنصور المتوفي عام 775، وهو المعلم الأثري العباسي الوحيد في بيروت، ويقع في جزئين، أحدهما قديم، والثاني حديث في الجهة الشرقية بني عام 1954، أما الجزء القديم فقد أعادت المديرية العامة للأوقاف الاسلامية ترميمه مع مئذنته الأثرية القديمة وأدخلت بعض التحسينات عليه.
في الجهة الغربية للجامع يوجد رواق مستطيل لا يحمل دلالة على تاريخ بنائه لكن النقوش الموجودة على جدرانه تدل على أثرية هذا الرواق، وفي الجهة الشرقية مقبرة إسلامية صغيرة دفن فيها بعض أعيان المسلمين من المفتيين والأمراء وفي مقدمتهم المفتي الشهيد حسن خالد، كما يوجد من جهة الشرق ضريح رئيس الحكومة الراحل رياض الصلح، الذي اغتيل في الأردن عام 1951.
وللمسجد قيمته الدينية والمعنوية والاثرية الكبيرة وان كان لا يحظى باهتمام كبير بسبب موقعه الجغرافي خصوصا في زمن ما بعد الحرب والتبدل الذي طرأ على المنطقة المحيطة به، الا انه يظل مثار اهتمام، واذ يؤمه مصلون ومهتمون بتاريخ الامام الاوزاعي، فانه يشهد ايضا محطة استقلالية سنوية، استذكارا للرئيس رياض الصلح في عيد الاستقلال حيث يتم وضع باقات من الزهر على ضريحه.
من هنا يبرز اهتمام كريمة الرئيس الراحل الوزيرة السابقة ليلى الصلح حماده، وعبر مؤسسة الوليد للانسانية، التي يرأسها الامير الوليد بن طلال حفيد الزعيم الوطني الراحل، بالمسجد لابقائه لائقا، وفي ابهى حلة.
من هنا ينطلق المشروع الجديد لترميم مسجد الامام الاوزاعي، بعدما تم استكمال كل التصاميم الهندسية الخاصة به. وكان امس اطلاق العمل برعاية
مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان.
بعد قراءة سورة الفاتحة على ضريح الرئيس رياض الصلح كان شرح مفصل من المهندس التنفيذي ابراهيم جركس حول التصميم الهندسي للمسجد من توقيع المهندس عزمي فاخوري.
وفي حضور الوزير السابق خالد قباني ومحافظ جبل لبنان محمد مكاوي ورئيس بلدية بيروت بالوكالة عبدلله درويش.وعدد كبير من الائمة والوجوه البيروتية، اعلنت الصلح انطلاق العمل ومما قالت: سماحة المفتي عرفناه قديما وتعاونا معه كثيرا، انه يعدل في القضية ويحكم بالسوية ويمشي مع الرعية ، صامت بذكاء، هادئ بإرادة، بارك الله سماحتك وسدد خطاك لما فيه خير المسلمين جميعا واشدد على كلمة جميعا. ايها الحضور الكريم، يسألونك عن الجوار ويظنونه الصدفة شيّد رياض الصلح دارته قرب المقام فلم تنعم الدار بصاحبها ونعِم به الامام الاوزاعي اذ أوصى أن يُدفن هنا. سُئل يوما رياض عن سر هذا الاصطفاء والأئمة كُثر في الإسلام فقال انه إمام التسامح. وقف بوجه الحاكم العباسي دفاعا عن المسيحيين (المردة آنذاك) الذين حكم بترحيلهم من ديارهم ومستشهدا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام:" من ظلم معاهدا فأنا حَجيجُه وعَدْل ساعة خير من عبادة ألف شهر ". وهكذا أصبح الإمام الآتي من بعلبك الميثاقي الأول في لبنان، طالِب وحدة مع الآخر ولا طالِب نجدة على الاخر. وهل يعتبر أمراء اليوم؟
كما القى المفتي دريان كلمة جاء فيها:" يَربِطُنا بِهذِهِ المؤسَّسَةِ الرِّبَاطُ الوَثِيق، كُنَّا على تَعَاوُنٍ وَتَشَاوُرٍ دَائمَين، بِفضلِ رِعايَةِ السيدةِ ليلى الصُّلح، فقدَّمَتْ إنجازاً كبيراً لِلمَحَاكِم الشَّرعِيَّةِ السُّنِّيَّة في بيروتَ وصيدا، إلى جانبِ علماءِ لبنانَ وإلى قُضَاةِ المَحاكِمِ الشَّرعِيَّة من عكار الى اقصى الجنوب والى بيروت وَتَوالَتِ الإنجازَاتُ وَالمَكرُمَاتُ بِفَضلِها. وإنْ شاءَ اللهُ سيبقَى بَابُ التَّعَاوُنِ وَالعَطَاءِ مفتوحًا بَينَنَا وَبَينَ مُؤَسَّسَةِ الوليدِ بنِ طلالٍ الإنسانِيَّة. وأقول ما هذا الأجْرُ العَظِيمُ الكَبيرُ لِمَنْ يَعمُرُ مَسَاجِدَ الله؟ وَبِالأَخَصّ، إذا كانَ هذا المَسجِدُ في رِحَابِ مَقَامِ الإِمامِ عبدِ الرَّحمَنِ الأَوْزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنه، ونعتبرُ هذا الإمامَ العظيمَ إمامَ بيروتَ ولبنان، وأهلِ الشَّام، الذي تصدَّى للظُّلم، ونقولُ كما قال: " لا نُرِيدُ أَنْ يُظلَمَ أَحدٌ في لبنان،" نحن رفضنا ونرفُضُ دائمًا أن يكونَ هناك فتنةٌ مذهبيةٌ أو طائفيةٌ في لبنان، لأنَّنا نَعتبِرُ أنفسَنَا جُزءًا اساسيًّا مِن كِيانِ الدَّولةِ اللبنانية. نحن لا نُرِيدُ لا دولةً ولا دُويلةً خاصَّة، وهدفُنَا هو الدَّولةُ القوِيَّةُ القادرة العادلة، آن الأوانُ أنْ نَقولَ لِكُلِّ السياسيينَ أنْ يَترُكُوا مَصَالِحَهُمُ الخاصَّةَ وَالكَيدِيَّة، قبلَ انهيارِ البلدِ فَوقَ رُؤوسِ الجميع. هل نُواجِهُ هذا الوَاقِعَ بِحكومَةِ تصريفِ أعمالٍ ام بحكومة كاملة الصلاحيات ، وتاخذ دورها الوطني والطبيعي في انقاذ البلد واللبنانيين؟
بعد ذلك تم وضع الحجر الأساس إيذانا ببدء الأعمال.