"التفاح ع إمّو"... هكذا هي حال الموسم اليوم في نهاية شهر القطاف وبداية تشرين الأول بسبب عدم وجود أسواق للتصريف من جهة، ولكون تكلفة التبريد تفوق طاقة المزارعين من جهة ثانية، إذ لا يعطي التفاح مردوده الطبيعيّ بعدما كان يشكّل في الماضي لمزارعي القرى مصدر استثمار، ومؤونة، بل مصدر ادّخار، في حين بات التفاح اليوم عبئاً يقضّ مضاجع أصحابه، ويحول بينهم وبين عيشة "الفلاح المكفي، السلطان المخفي".
فبالرغم من الوعود الرسميّة بفتح أسواق التصريف أو المقايضة، والتي لا تزال حتى الساعة مجرّد كلام، لا يجد المزارعون وسيلة لتصريف إنتاجهم، ممّا يعرّض الموسم للخطر والثمار للتلف.
الحقول والبساتين التي تتحوّل في مثل هذه الأيام إلى خلايا نحل وتشهد "عرس القطاف"، خالية خاوية من العمال والصناديق، وسيارات الشحن، والمزارع تحوّل إلى حارس لحقله، يجلس قبالته، ينتظر من يمنّ عليه بشراء ثماره.
المشكلة هذه السنة متعددة الأوجه، كما يقول غير سمسار أو تاجر تم الاتصال بهم للاستيضاح، وأبرز المشكلات كما قالوا: "ارتفاع أسعار المازوت، وانعدام التيار الكهربائي، ممّا شلّ عمل مستودعات التبريد التي يجب أن تبقي الحرارة في داخل غرفها عند مستوى واحد، ولهذا لا يمكن توقيف المولدات أبداً. يُضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة النقل من الحقل إلى البرادات، وإيجار الصناديق الفارغة، بموازاة انعدام أسواق التصريف والقلق الأمنيّ وتسكير الطرق وغيره". كلّ ذلك أعباء إضافية ليس بإمكان أصحاب البرادات تحمل خسائرها ولا التجار وبالتأكيد كلفتها الباهظة سترهق كاهل الملاكين والمزارعين".
أحد أبناء بلدة كفرصغاب المجاورة لإهدن يقول: "دفع النخب ثمن صندوق التفاح من الحقل ثلاثة دولارات، وفي أحسن الأحوال ثلاثة ونصف. هذا سعر لا يردّ أكلاف التسميد والرشّ والرّي والفلاحة والقطاف والتقليم، والتي تقدّر بما بين خمسة أو ستة دولارات للصندوق الواحد. والتفاوت يعود إلى عدد الرّشات في الموسم الواحد، وعدد عدّانات الرّي، وفوق ذلك إجار الصندوق، وتكلفة النقل والتبريد، وبذلك نكون وقعنا في خسائر كبيرة كبيرة، ونكون عملنا على مدى نحو سنة بالسّخرة، فلا مردود أبداً بل خسائر تتكدّس عاماً بعد عام".
بعض المزارعين بدأ، ومن باب تخفيف الحمل على الأشجار، منعاً لتكسّر الأغصان الرازحة تحت أحمالها إلى قطف الثمار دون الخمسة سنتيمترات، وهي ثمار تعتبر نفايات فلا تباع ولا تُشرى؛ ومن هذه الثمار يصنعون خلّ التفاح، والمربّيات، والمجفّفات وبعض أنواع الويسكي والنبيذ والليكور، وباتت تتواجد على رفوف محلات "المونة البيتية"، ولهذا فإنّ التصنيع أيضاً بحاجة إلى دعم وترويج، وإلى من يساعد في التسويق والتصدير. لكنّ التصنيع يحمي من التلف، ويعوّض بعض الخسائر، وإن تكن تكلفته تزداد يوماً بعد يوم بسبب ارتفاع الأسعار.
لهذا، يُصلّي المزارعون اليوم كي يستمرّ الطقس المستقرّ، ولكي لا تلفح موسم التفاح رياح تشرين باكراً، أقلّه لمعرفة حقيقة الوعود الرسميّة بمقايضة التفاح بالفيول العراقيّ إو إيجاد أسواق للتصريف قبل وقوع الكارثة. وباعتقاد المزارعين أن الله سميع مجيب، وهو على كلّ شيء قدير.