ميشال حلاق
زراعة الأفوكادو في عكار ليست جديدة، وقد بدأت بمبادرات فردية، على نطاق ضيّق جداً وتجريبي، منذ أكثر من 70 سنة تقريباً، على يد بعض المهاجرين من أبناء المنطقة إلى البرازيل، الذين استقدموا غراس الأفوكادو لزرعها في محيط منازلهم، ثم في بساتين صغيرة لتأمين استهلاكهم المنزليّ.
لم تكن ثمار الأفوكادو تحظى باهتمام السوق المحليّة والأسواق المحيطة، قبل أن يتعرف الجمهور على قيمتها الغذائية، ويدخلها حديثاً كعنصر أساسي في بعض الأطباق والعصائر في المطاعم، لا سيما أن إنتاجيّة أشجار الأفوكادو عالية ومردودها الماليّ كذلك. بعد ذلك، بدأت هذه الزراعة تلقى رواجاً وإقبالاً كبيراً خلال السنوات الـ4 الماضية لتكون الذروة في هذا العام.
ويعود أقدم بستان أفوكادو في عكار إلى آل الشاطر، في "بيت عصفور" العكارية، الذين استقدموا الشجرة منذ 75 عاماً، بعد هجرة الجدّ إلى البرازيل في أميركا الجنوبية.
لكن عكار اليوم تسير بخطى سريعة نحو تحقيق ثورة زراعية حقيقية في هذا القطاع، ومن المرجّح لها أن تحتلّ المرتبة الأولى في السنوات القليلة المقبلة، بل قد تتفوّق على زراعة الحمضيّات والعنب التي تشغل بالأساس مساحات واسعة، خاصة في سهل عكار، على ما يقول المهندس الزراعي "بكر نعيم" المُواكب لتطور زراعة الأفوكادو، ومنسّق قطاع الأفوكادو في عكار في مشروع "صدر"، الذي أطلقته مؤسسة رينيه معوض بتمويل من المملكة الهولنديّة.
ويقول نعيم إن "عكار كما كل الساحل اللبناني تعتبر الأكثر ملاءمة من حيث المناخ لنجاح هذه الزراعة الشجرية الواعدة جداً، نظراً إلى خصوبة التربة العكارية وتوفر المياه بتكلفة أقلّ من مناطق السهل والوسط حتى ارتفاع 700 متر عن سطح البحر. تلك أمور شجّعت بمجملها على الإقبال على هذه الزراعة، خصوصاً من قبل المستثمرين من عكار وخارجها، الذين وظفوا أموالهم في هذا القطاع على مساحة 2000 دونم (2 مليون متر مربّع)، تمّ غرسها هذه السنة بأشجار الأفوكادو لمدة 15 سنة".
ويلفت نعيم إلى أن زراعة الأفوكادو تطوّرت وتنامت بشكل علميّ ومدروس منذ العام 2018 بجهود مؤسسة رينيه معوض عبر مشروع مدعوم من "أكسبيرتيز فرانس". وكانت الانطلاقة مع 40 مزارعاً عكارياً، عملوا على إنشاء بساتين صغيرة بفضل تقديمات لوجستية ودعم تقني ومتابعة وإشراف خبراء المشروع. وتمكنت مؤسسة رينيه معوض تالياً من إعداد مشروع آخر بدعم وتمويل من المملكة الهولندية لتنمية عدة قطاعات، منها زراعة الأفوكادو لتطوير واستكمال عمليات الدعم التقني لمزارعي الأفوكادو ونقل هذه الزراعة من زراعة تقليدية إلى زراعة حديثة مدعّمة بالخبرات وبكلّ الإمكانيات الحديثة المتاحة والاستحصال على شهادات مواصفات الجودة تخوّلها الدخول إلى الأسواق العالمية، والأوروبية خاصّة".
وأضاف: "كان هذا الموضوع من صلب أهداف هذا المشروع الذي كانت مدّته 4 سنوات؛ بدأ في العام 2019 ولغاية 2023، واستهدف أصحاب البساتين الـ40 ومزارعين جدد، انضموا لاحقاً".
ولفت إلى أن "مؤسسة رينيه معوض دخلت في مشروع تعاونيّ أيضاً مع هولندا، اسمه "صدّر"، للانتقال من مرحلة العمل التقني إلى مرحلة أكثر تخصصيّة وعلميّة مع كبار الخبراء والمهتمين في هذا المجال لتشكيل حالة علميّة متميّزة عبر تنمية قطاعات مقدّمي الخدمات لهذه البساتين، الأمر الذي بات يتطلّب أعداداً كبيرة من اليد العاملة الخبيرة للعمل في هذه القطاعات".
ويقول: "من الجدير ذكره أن مشروع "صدّر" يسعى لتأسيس مراكز توضيب، تحمل شهادات تخوّلها التصدير إلى الاتحاد الأوروبي. وثمّة شركات كبيرة استحصلت على استثمارات كبيرة في عكار، وهناك عدد كبير من المشاتل التي من المتوقع لها أن تنتج بحدود الـ500 ألف غرسة أفوكادو سنوياً؛ وهذا تطور لافت يُبنى عليه لمستقبل واعد على صعيد هذه الزراعة في عكار، التي تملك الأهلية لأن تتبوأ المرتبة الأولى على الصعيد الوطني مع توافر كلّ المساحات المؤهّلة والخبرات العالية والأصناف عالية الجودة بما يتناسب مع متطلّبات الأسواق الأوروبية".
ومن أبرز أصناف وأنواع الأفوكادو المنتجة حالياً في عكار الـ: لامبهاس، بنكرتون، ريد، أتنجر، فيورتي، ليبانيز، جيم، وورس.
ويشير نعيم إلى أن الكمية المنتجة حالياً في عكار من ثمار الأفوكادو تقدّر بنحو 500 طن سنوياً، ومن المتوقع ارتفاعها إلى نحو 4000 طن سنوياً بعد 4 سنوات فقط. والبساتين التي انتشرت حديثاً هي في مناطق القبيات وجبرايل ومشحا وحيذوق ودير جنين والسفينة وكوشا ودوير عدوية والسويسة ودارين وتلعباس الغربي وبزال وببنين والعبدة وبيت ملات وتكريت ورحبة وحلبا ومنيارة ومار توما وعرقة عمار البيكات .
وهناك مشاريع ضخمة لبساتين جديدة تعدّ للزراعة حديثاً.