كثر لا يعلمون شيئاً عن قصة الأشقّاء المسابكيين فرنسيس وعبد المعطي ورفائيل، الذين استشهدوا في الشام في العام 1860 على يد المشاغبين، خلال عهد والي الشام أحمد باشا.
في تلك المرحلة، وبعدما اندلعت النيران في منطقة باب توما لمدّة 9 أيام، دخل المشاغبون إلى دير الرهبان الفرنسيسكان وقتلوا رهبانه والإخوة المسابكيين المتواجدين فيه والكاهن الأورثوذكسي يوسف حداد الدمشقي الذي كان قريباً من الدير
في العام 1926، أعلنت روما الإخوة المسابكيين طوباويين على مذابح الكنيسة الكاثوليكية، ومنذ تلك المرحلة راح صيتهم ينتشر في لبنان وفي دول الانتشار الماروني لاسيّما في أميركا، لكن وفي فترات متلاحقة بدأت أخبارهم تتلاشى لتصعد في الكنيسة أخبار الرهبان والراهبات القديسين.
اليوم وبعد كلّ هذه السنوات، يصرّ راعي أبرشية صربا السابق المطران غي نجيم أن يستذكرهم ومعهم يستذكر مجموعة روحانيات ووطنيات غائبة، علّها تعود مع عودة الحديث عن الإخوة المسابكيين الذين قد تُعلن قداستهم في العام المقبل، لاسيّما أنّ البابا فرنسيس أظهر حماسة كبيرة لطلب المجمع الماروني في هذا المجال.
تحدّث المطران نجيم لـ" النهار" مُستبعداً أن " يكون استشهاد الإخوة المسابكيين مرتبطاً بأيّ خلاف بين المسلمين والمسيحيين، فأحداث الشام في تلك المرحلة ومع الزمن اتّضح أنّها سياسية بامتياز".
المطران نجيم أكّد أنّ "عودة الحديث عن الإخوة المسابكيين تأخذنا إلى أبعاد مختلفة، أبرزها بعد الوحدة بين المسيحيين، فاستشهاد المسابكيين أتى بالتزامن مع استشهاد مسيحيين من الغرب، وهم الإخوة الفرنسيسكيين الثمانية، واستشهاد الكاهن الأورثوذكسيّ الحداد الذين تعيّد لهم كنائسهم جميعاً في العاشر من تموز.
هذه الوحدة في الدم تؤكّد على وحدة الكنيسة والمسيحيين بغضّ النظر عن انتماءاتهم".
أمّا البعد الثاني فيقول نجيم إنّه "مرتبط بالعائلة، ففي هذا الزمن الذي يبعدنا عن كلّ مفاهيم العائلة، يعود إلى الواجهة مشروع تقديس ثلاثة أخوة.
ويضيف: "في الكنيسة المارونية هناك قديّسين كثراً من الرهبان كمار شربل والقديسة رفقا والقديس الحرديني، لكن ليس لدينا قديسين علمانيين، علماً أنّ تطويب الإخوة المسابكيين حدث في روما قبل تطويب أيّ قديس آخر، لذلك قد تكون الرسالة واضحة ومفادها عودة الاهتمام بالعائلة التي تنتج رهباناً وعلمانيين وقديسين يعيشون في هذه الأرض ويحملون الرسالة أينما وُجدوا".
والبعد الثالث يربطه المطران نجيم بلبنان وبمسيحيي الشرق وبأزماتهم المختلفة التي قد تكون أهمها أزمة لبنان وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، إذ يؤكّد أنّ "الرسالة هي للمسيحيين، حتّى يكونوا على مثال الإخوة المسابكيين منفتحين على الآخر وتربطهم فيه علاقة أخوة، فالمسيحيّ لا يتميّز عن سواه سوى في روحانيته".
و يرى نجيم أنّ "الحاجة اليوم هي لترتيب البيت اللبنانيّ والمسيحي بشكل خاصّ، وذلك يبدأ بالاتحاد والعمل مع بعضنا بعضاً انطلاقاً من نقطة قوّتنا، إذ إنّنا وفي حين يبحث العالم عن أساليب للعيش معاً والحوار، أقررنا هذا العيش مع إعلان دولة لبنان الكبير.
فلبنان هو الدولة الوحيدة التي يعيش فيها المسلم مع المسيحي بعيداً عن ثقافة الغالب والمغلوب، وهذه قوّة "اتفاق الطائف" الذي وبعيداً عن تفاصيله أكّد أنّ لبنان بلداً لجميع أبنائه.
وفي استعراضه لنقاط قوّة لبنان يتوقّف نجيم عند "الفترة التي تلت ولادته والتي خلالها تمّ بناء المستشفى والمدرسة والجامعة في القطاع الخاصّ باهتمام واسع، لكن عندما ولدت الجامعة والمستشفى والمدرسة الرسميّة، لم نهتمّ فيهم بما يكفي، وهذا أتى ضمن سياسة التقوقع التي انتهجناها.
لذلك الدعوة اليوم إلى السياسيين كي يخرجوا من خوفهم على مصالحهم وشعبيتهم ومكتسباتهم، ويلتفتوا إلى الرسالة التي يحملونها لكلّ العالم.
الدعوة للجميع اليوم حتى يعودوا إلى الفكرة اللبنانية بعيداً عن كلّ الطروحات الأخرى، فنقبل أن تكون لدينا رؤية واحدة للبنان وإلفة بين اللبنانيين، لننتخب رئيساً يجسّد هذه الروحية فلا يكون رئيساً محارباً لأيّ طائفة أخرى ولا مدافعاً عن طائفته حصراً.