النهار

النساء في العلوم... باحثات لبنان ينجزنَ ويستجبنَ للتحديات
فرح نصور
المصدر: "النهار"
النساء في العلوم... باحثات لبنان ينجزنَ ويستجبنَ للتحديات
تعبيرية.
A+   A-
تشكّل النساء 30 في المئة فقط من مجموع الباحثين في العالم، بحسب منظمة اليونيسكو. وفي حين يزداد عدد النساء اللواتي يلتحقن بالجامعة، يتسرّب عدد كبير منهنّ من أعلى مستويات التعليم، التي يتوجب إكمالها لممارسة وظيفة في مجال البحث، بالرغم من أن المرأة في العلوم باتت فاعلة أكثر من السابق، وتحارب من أجل تغيير النظرة النمطيّة تجاهها في عالم الأبحاث؛ وإن كانت نظرةً مستمرّة في نطاقات معيّنة.
 
في الآتي، نسلّط الضوء على إنجازات لبنانيّات في عالم العلوم، ونبحث في إقبال النساء في لبنان على خوض المجالات العلميّة، وعلى التحدّيات التي يواجهنها.
 
قبل الأزمة، قام المجلس الوطني للبحوث العلمية بتأسيس المرصد الوطني للمرأة في الأبحاث، بدعم من اليونسكو، وهدفه تحديد وفهم واقع المرأة الفاعلة في البحث العلميّ، ومساراتها المهنيّة، وسبل وصولها إلى الوظائف البحثيّة أسوة بزملائها الرجال، ولفهم طبيعة العوائق وتأثير الواقع السياسي الاقتصادي الاجتماعي على واقع المرأة الباحثة.

في حديث لـ"النهار"، توضح الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية بأنّ الدراسة قامت على مسح في الجامعات لمعرفة نسبة النساء الباحثات، وتبيّن أنّ النسبة لم تتخطَ الثلث.

وحسب الاختصاصات، لا تتعدّى نسبة النساء الـ26 في المئة في كلّ ما يُصنّف ضمن العلوم الصّلبة، بينما في المجالات الإنسانيّة وصلت النسبة إلى 42 في المئة.
وتظهر عالمياً مشكلة تثمين عمل النساء في البحث العلميّ كي يصلن إلى موقع القيادة في المجال البحثي. لكن ما نختلف به في لبنان عن الغرب، وفق الزين، بأنّ الغرب وضع سياسات معيّنة لمراعاة وجود النساء في المواقع القياديّة، كما في عمادات الكليّات ورئاسة الفرق البحثيّة. لكنّ نسبة العميدات في لبنان لا تتخطى، في كلّ الكليات الإنسانيّة والعلميّة، الـ20 في المئة، و"كانت هذه النسبة صادمة، لكون لبنان مشهوراً بالانفتاح والتقدّم".

وفي شقّ التحليل النوعي تبيّن التمييز أثناء التوظيف، وتحديداً في مجالات البحث العلميّ، باعتبار أن النساء سينشغلن بحياتهن الزوجيّة والخاصة على عكس الرجال، حتى لو كان ملفّها يوازي ملفّ الرجل، فتُعطى الأولويّة للرجل بالتوظيف. كذلك بيّنت الدراسة أنّ النساء يتردّدن بترشيح أنفسهن لمواقع المسؤوليّة، لمعرفتهنّ بعدم مرونة الأنظمة والقوانين لوصولهنّ في الوقت، لا سيّما أن أنظمة العمل لا تراعي خصوصيّتهن.

وقبل الأزمة، كانت نسبة طلاب الدكتوراه من الإناث هي الغالبة، من دون أن يعني ذلك أنهنّ أغلبية الذين يحصّلون الدكتوراه.
 
وفي حين تُعطى أولويّة التوظيف في لبنان لحمَلة الشهادات ذات المنشأ الخارجي، خصوصاً الغربي، تبيّن أنّ الرجال يفضّلون السفر للاستحصال على هذه الشهادات، مما يؤثّر على السيدات، لأنّ الأغلبية منهن يحصلن على شهاداتهنّ من لبنان.

وعن تأثير الأزمة الاقتصادية على مسار المرأة في مجال العلوم في لبنان، تشير الزين إلى منحى ظاهر لدى الأسر في تفضيل الاستثمار العلمي في الذكور لا في الإناث، أكان على الصعيد الجامعيّ أم المدرسيّ، خصوصاً لدى الأسر ذات الإمكانيّات الماديّة الضعيفة، مما سيترك تأثيراً مستقبلياً، يمكن أن يظهر قريباً.
 
شهادات
 
الدكتورة جوي إليان الحايك فازت بجائزة "لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في مجال العلوم"، في مجال طبّ أسنان الأطفال، لقاءَ إدخالها الـdigital dentistry بهدف الحصول على بسمة بيضاء لدى الأطفال، بعد أن كانت التقنية مقتصرة على الكبار. 
 
ترى الحايك، في حديثها لـ"النهار"، أنّ "نسب العالمات في المجالات العلمية لا تزال ضعيفة في المجتمع، لكنّنا نشجّع كلّ النساء لسلوك هذه الطريق، حتى لو كان طويلاً، لأنّ النتائج التي تتوصّل إليها في غاية الأهميّة والروعة". وتلاحظ أن المرأة بحاجة لأن تكون مندفعة أكثر في مجال العلوم، بالرغم من أنه مسار طويل ويحتاج إلى الصبر والوقت، خصوصاً لدى المرأة الشرقية، التي "عليها أن تكون أمّاً وزوجة وباحثة وسيدة فاعلة في المجتمع. وهذا التوازن صعب، لكنه يهون حين يتوفر الدعم الكافي من الأهل والعائلة والرجل".
 
وتسجّل الطبيبة الحايك، الأستاذة في كلية طبّ الأسنان في جامعة القديس يوسف، "نسبة متساوية من الذكور والإناث، في السنة الجامعيّة الأولى، بالرّغم من كلّ الصعوبات التي يمرّ بها البلد والمنطقة، فنحن قادرات على إثبات وجودنا كسيّدات في هذا المجال".
 
 
في مجال العلوم، يواجه الرجل أيضاً صعوبات، "لكن على المرأة المثابَرة، وترك بصمة في المجتمع، لتقود وتعطي المثال لأولادها وطلابها. لذلك كان إصراري على ترك بصمة في مجتمع طبّ الأسنان"، تقول الحايك.
 
كذلك، فازت طالبة الدكتوراه في الجامعة الأميركية في بيروت ريم وهبة بجائزة "لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في مجال العلوم" عن بحثها في توصيف النباتات البكتيرية لاثنين من أنواع البعوض البرّي المعروف بانتشاره في لبنان، بهدف تطوير استراتيجيات جديدة والعمل على الجهاز المناعيّ للبعوض لتقليل قدرة الحشرة على نقل الأمراض. لكنها تشدّد، في حديثها لـ"النهار" على أن "المرأة بشكل عام في العالم العربي في مجال العلوم لا تحظى بالتقدير الكافي مقارنة بالرجل، أكان على صعيد فرص العمل أم غيرها، وإن كان الوضع في لبنان أفضل من دول أخرى".
 
لكنّها تعتبر نفسها محظوظة "لأنّ محيطي العائلي، المدرسي، الجامعي، وأساتذتي، على الرغم من كونهم رجالاً، دعموني، ولم أشعر بالفرق عن زملائي الذكور. لكنني أرى في أماكن أخرى نماذج استخفاف بالمرأة على اعتبار أنّها ستنشغل في حياتها الزوجية، فتذهب الفرص بالتالي للرجل على اعتبار ألّا شيء يحدّه".
 
 
وللمرأة التي ترغب في دخول عالم العلوم، تنصح وهبة بأن تمتلك الرغبة أوّلاً، وألّا تتأثّر بما يقوله الآخرون، وتقول لها "كوني نفسك، آمني بقدراتك، وقومي بما تريدينه لتصِلي إلى هدفك".
 
منذ صغرها، كانت الدكتورة سيبال مهاوج الخريجة والأستاذة في الجامعة اللبنانية الأميركية، والمتخصّصة في علم الوراثة، وتحديداً جهاز المناعة، تحبّ أن تصبح طبيبة اختصاصية في أمراض الأطفال تحديداً. ولكنها عندما بدأت دراستها الجامعية، تعلّقت بالأمراض الجينيّة، فأصبحت شغفها.
 
فازت مهاوج بجائزة "لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في مجال العلوم" عن بحث هو الأول على مستوى العالم، يركّز على معرفة الأسباب الجينية لأمراض نقص المناعة الأوليّة، التي تبلغ نحو 495 مرضاً غير معروف حتى الآن على صعيد العالم. وهذه الأمراض تؤدّي إلى خلل وظيفي في الجهاز المناعي، وتعرّض أصحابها لالتهابات متكرّرة.
 
 
وفي لبنان، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة، تواجه الباحثات تحدّيات عدّة، أهمها التمويل، وتأخّر وصول التقنيات إلى لبنان، وهي كما المرأة في العالم تواجه صعوبات أكثر تبعاً للمحيط والمؤسسة، وفق مهاوج، التي تلاحظ في حديثها لـ"النهار" تمييزاً في مصداقيّة الأبحاث بين المرأة والرجل، بالرغم من وصولهما إلى النتيجة عينها. وفي بعض الأحيان تواجه صعوبات في فرص وصولها إلى بعض المراكز العليا الأكاديمية (عميدة، رئيسة).
 
لكنها على المستوى الشخصي تقول "كنت محظوظة لأنّني كنت في مؤسّسة دعمتني كشخص بغضّ النظر عن كوني امرأة، إذ إنّ في جامعة الـLAU عميدة كلية الطبّ امرأة، والطاقم المساعد من النساء". 
 
ومن التحديات أيضاً التوازن بين الحياة العملية والحياة الخاصة، "فأنا مثلاً متزوّجة ولديّ ولدان، وأخرج مع الأصدقاء، والاهتمام بالأهل والعائلة والعمل يشكّل ضغطاً. لكن العمل البحثيّ يستحقّ الجهد"، بحسب مهاوج. لكنّها تدعم وتشجع كلّ شابة طموحة على أن تذهب به إلى أبعد الحدود، وأن تثق بقدراتها، و"لا تقبلن بأن يحدّ من طاقاتكنّ أيّ شيء".
 
دور المرأة في العلوم مهمَّش
 
المجالات التقليديّة للمرأة تغيّرت، والكليات باتت تشهد التكافؤ بين الرجل والمرأة، تؤكّد نائبة رئيسة الرابطة اللبنانية لسيدات العمل، عبير شبارو، في حديثها لـ"النهار". وترى أن المشكلة تكمن في وصول النساء العالمات إلى الموارد، وهذه الفجوة ليست فقط في لبنان بل في العالم. فمثلاً عندما تقدّم المرأة أو الرجل بحثاً، تكون فرص الحصول على الدعم للرجل أعلى. وهذه العقلية موجودة، ويمكن أن تُحلّ عبر طلب المساواة بالأجور من خلال وضع أطر قانونية للمحاسبة، وتوزيع المعاشات وفق المهام وليس نسبة إلى الجنس.
وتضيف شبارو أنّ هناك صعوبة في وصول العالمات إلى مراكز القرار، ولا تُعطى العالمة كامل تقديرها؛ فمثلاً إن كان هناك زوجان يعملان في مختبر، فتُعطى القيادة للرجل وليس لزوجته، ويتمّ إبراز دور الرجل، وتُوضع المرأة في الأدوار المساعِدة، والأمثلة على ذلك عديدة.
 
 
هل من صعوبات تواجه المرأة الباحثة في الوصول إلى الموارد؟
 
تنفي الدكتورة تمارا الزين الافتراض، وتؤكّد أنه "ليس هناك صعوبة"، فالمشكلة في لبنان هي في غياب وصول المرأة لقيادة بحث علميّ معيّن لأسباب جندرية، وليس في وصولها للمعلومة أو في نقص بالبنى التحتيّة العلميّة. وعلى الرغم من التقدير النوعيّ الذي تحظى به المرأة، فإنّه يتعيّن عليها إعطاء ضعف ما يعطيه الرجل لتحظى بالتقدير عينه. لذا، يجب وضع سياسات كوتا في الجامعات، لمراعاة التنوّع بين النساء والرجال.
 
وتلفت الزين إلى أنّ نسبة الإناث كانت تتراوح من 70 إلى 80 في المئة لمِنح الدكتوراه التي كانت تعطى. ولا يمكن اعتبار هذه النسبة إيجابية، لأنّ السؤال الذي يطرح نفسه، هل هنّ حقاً يرغبن في أن يصبحن باحثات مستقبلاً أم العامل الاجتماعي يدفعهنّ إلى نيل لقب الدكتوراه؟ أم العامل الثالث وهو الأخطر، والمتمثّل بعدم توفّر فرص عمل بعد أول شهادة جامعية فيدخلن الدكتوراه على أمل زيادة فرصهنّ في إيجاد عمل.
 

اقرأ في النهار Premium