وسام اسماعيل
وسط استمرار تعقيدات الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي يعاني منها اللبنانيون منذ سنوات، أثارت موازنة الحكومة الجديدة التي أقرّها مجلس النواب، غضباً واسعاً بين المخاتير والمواطنين في منطقة بعلبك.
إذ تعتمد الميزانية الجديدة على اقتصاد الجباية عبر فرض المزيد من الضرائب والرسوم، فرفعت كلفة إخراج القيد العائلي أو الفردي من 100 ألف ليرة إلى نحو 700 ألف ليرة. يضاف إليها التجاوزات والرشى وفقدان الطوابع المالية وشراؤها من السوق السوداء. بينما يتحتّم على المواطنين أو المخاتير اقتطاع إيصالات بدفع رسوم الطوابع من مراكز الـWish money، وبالتالي دفع رسوم إضافية أخرى.
أمام هذا الواقع الذي يزيد الأعباء المالية على المواطن البعلبكيّ، نفّذ مخاتير محافظة بعلبك الهرمل وقفة احتجاجية اليوم الاثنين 19 شباط (فبراير) أمام مبنى محافظة بعلبك، طالبوا خلالها بتجميد المادة 66، التي ترفع الضريبة على معاملات دائرة النفوس. كما هدّدوا بالتوقّف عن ممارسة مهامهم في جميع دوائر المحافظة، وإطلاق سلسلة من الاحتجاجات والاعتصامات.
ينعكس هذا الواقع بشكلٍ سلبيّ على المواطنين الذين يحتاجون إلى إنجاز المعاملات في مختلف الدوائر الرسمية، وعلى المخاتير الذين يعانون من الحرج بسبب ارتفاع الرسوم وفقدان الطوابع المالية، فباتوا يدفعون من مالهم الخاصّ لإنجاز معاملات بعض المواطنين الذين لا يستطيعون تحمّل ارتفاع هذه الرسوم بنسبة تفوق قدراتهم المادية.
مختار مدينة بعلبك: "فرض المزيد من الضرائب مجزرة"
وفي حديثٍ للـ"النهار" طالب المختار حسين جمال الدين بإعادة النظر مجدّداً في هذا النوع من القرارات الجائرة التي تستهدف الطبقة الفقيرة، وبات معظم الأهالي يعيشون تحت خطّ الفقر".
واعتبر أنّ "زيادة كلفة إخراج القيد الفردي بنسبة 400 في المئة هو عمل إجراميّ ينفّذه فاسدون يتقاسمون تلك الضريبة". وأضاف أنّ "الفساد والاستغلال وصلا إلى حدود غير مقبولة في جميع المؤسسات الرسمية. فمثلاً، لا يمكن الحصول على شهادة عقارية إلّا بعد دفع رشوة تصل إلى مليوني ليرة، وهذا يحدث للمواطنين في ظلاميّة تامّة".
كما أكّد أنّه "بناءً على معاناة هؤلاء الأشخاص، سنتوقّف عن العمل ونرفع صوتنا أمام مركز المحافظة ليصل إلى المسؤولين. فالحكومة تمارس المزيد من الضغوط على المواطنين، وهم يعانون بالفعل من أزمات أمنية واقتصادية ونفسية".
وأضاف أنّ "معظمهم يواجه أمراضاً متفشية ومشاكل أخرى كثيرة تتحمّل الحكومة ومجلس النواب الذي أقرّ هذه الضريبة كامل المسؤولية عنها".
ووجّه جمال الدين تساؤلاً إلى النواب قائلاً: "أنتم تمثّلون هؤلاء الأشخاص، هل تذهبون إلى الاحتفالات والمناسبات السعيدة للمواطنين، واليوم تعملون على ضربهم في رزقهم وتجويعهم"؟
بينما أعرب مختار مدينة بعلبك حسن عباس، في حديث للـ"النهار"، عن خشيته من تحميل المواطنين المزيد من الضرائب. واعتبر الأمر "مجزرة في حقّ الجميع، قد لا تختلف كثيراً عن مجازر غزّة، فالمواطن لم يعد يقوى على تلك الضرائب غير الإنسانية".
وناشد عباس النواب، خصوصاً نواب منطقة بعلبك الهرمل، للعودة عن تلك القرارات والوقوف إلى جانب أهلهم. وقال: "نحن كمخاتير لم نعد نقوى على خدمة المواطن، وما يحدث من تآمر على المواطن اللبناني لن يمرّ أبداً وسنتّخذ موقفنا".
من جهته، اعتبر مفتي بعلبك الهرمل للطائفة السنية الشيخ بكر الرفاعي أنّ "موازنة العام 2024 أُقرّت من دون الأخذ في الاعتبار الظروف الصعبة التي يعيشها البلد".
وأضاف أنّه "على الرغم من عدم إنكار وجود بعض النقاط الإيجابيّة في الموازنة، إلّا أنّ هناك نظرة وفلسفة عامّة لها لا تهتمّ بوضع الفقراء، بل على العكس نشعر أنّها تركّز على تحسين وضع الأثرياء. فهل المطلوب أن يزداد الفقراء فقراً والأثرياء ثراءً؟".
كيف تنعكس هذه الزيادة على المواطنين؟
فوجئت والدة الطالب محمّد الفيتروني بإعادة موظفي دائرة نفوس بعلبك طلب إخراج قيد فردي تقدّمت به سابقاً لابنها لتعديله وإضافة المزيد من الطوابع، فصرخت في وجه الموظّفين. كما توجّهت إلى المسؤولين قائلة: "الله لا يوفّقكم، هل يُعقل أن تصل كلفة إخراج قيد لتعليم ابني إلى مليون ليرة، تريدون حرمان أبنائنا من التعليم والموت جوعاً؟".
وأشارت إلى أنّها موظّفة وراتبها لا يكفيها لإطعام عائلتها، "فما المطلوب من هذه الضرائب سوى أن تزيد معاناتنا؟".
أمّا المواطن رامي الخرفان فاستعاد طلبه المُقدّم في 12 شباط (فبراير)، ليعيد تقديمه بفارق كلفة تجاوزت الـ800 ألف ليرة، مع إضاعة الكثير من الوقت.
تتزايد يوميّاً التحديات المادية والمعيشية أمام المواطن البعلبكي، وجاءت هذه الزيادة في كلفة إخراج القيد الفردي لتشكّل عبئاً إضافياً على الأسر الفقيرة أو ذات الدخل المحدود التي تعاني بشدّة، ما قد يؤدّي إلى تفاقم الفقر وانعدام القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والإسكان والصحة.