النهار

المرأة في بعلبك... محاولات لكسر القيود والبحث عن دور أوسع
المصدر: "النهار"
المرأة في بعلبك... محاولات لكسر القيود والبحث عن دور أوسع
تعبيرية.
A+   A-
على غرار المرأة اللبنانية عامة، تواجه المرأة في بعلبك – الهرمل تحدّيات وصعوبات كثيرة لإثبات حضورها شريكة في المجتمع القروي، عبر محاولة كسر الصورة النمطيّة السائدة وتحقيق إنجازات والانخراط في عملية التنمية المجتمعية والحداثة والقرار.
 
في الأساس، يصعب في المجتمع البعلبكي الذكوري المحافظ على المرأة الحصول على حقوقها كاملة دفعة واحدة. تحاول التوفيق بين حقوقها وإمكانيات الحصول عليها، أمام الضوابط المجتمعية التي يرسمها الدين والعادات والتقاليد.
 
الرفاعي
"النهار" التقت العديد من البعلبكيّات، فروين قصصاً عن تجاربهن والصعوبات التي واجهتهن وسبل المواجهة.
منسقة مكتب "تيار المستقبل" في بعلبك، المحامية ميادة الرفاعي، تحدّت بطموحها الرؤية الذكوريّة بكلّ شجاعة في مجتمع بعلبك الضيّق، مدعومة من والدها الرافض للتمييز بين الجنسين. تعرضت للعديد من المواقف الصعبة طوال مسيرتها الاجتماعية والمهنية والسياسية. اعتمادها على نفسها كان سرّ تميّزها، وهي كغيرها من النساء مزنّرة بمجموعة قيود لجهة اللباس أو الكلام أو الاختلاط في المجتمع.
 
وتقول: "صحيح أنّ المرأة انضوت في سوق العمل، واستحوذت على تقديمات وحقوق مهمّة، كفلها لها القانون، بفضل جهود بذلتها، لكنها لا تزال حتى الآن تعاني من الهيمنة الذكوريّة في العمل والسياسة وفي مجالات عدة، بالرغم من أنها تتسلّح بالعلم والمعرقة وتطوير القدرة الذاتية لإثبات نفسها ومواجهة العقبات".
 
الكرنبي
ريما الكرنبي، ابنة عرسال، اختارت أن تتجاوز العادات بحجز مكان لها ولقريناتها في العمل التنموي والسياسي وفي مراكز صنع القرار. بادرت إلى الترشح لعضوية المجلس البلدي في العام 2016، وكانت أوّل امرأة تخوض هذه التجربة في المنطقة، وقد توجت بالنجاح بنتائج تنافس تلك التي حصل عليها منافسوها من الرجال. لكنها في الوقت نفسه تعرضت لمحاولات إقصائها عن القرار، بالرغم من اكتسابها ثقة الناس، فواجهت صعوبات جعلتها تتراجع عن ترشّحها في الانتخابات النيابية الأخيرة باسم قوى التغيير.
 
برقاشي
من جهتها، تؤكّد السيدة ريما برقاشي من دير الأحمر أن المرأة في المنطقة تعيش واقعاً من عدم المساواة بسبب "هيمنة الذكور"، وتسأل: "هل الأمهات والزوجات في المنطقة غير قادرات على أن يصبحن محترفات؟".
 
وتنتقد مبدأ عدم مساواة النساء في التوظيف، وتقول: "العديد من أصحاب المؤسّسات يعتقدون بأن المرأة استثمار سيّئ، لأن دورها الطبيعي في الحياة يقتصر على التربية وإتمام واجباتها الزوجية، ولا يحترمون كونها طموحة وقادرة على أن تكون عنصراً مهماً في الوظائف والمهن الموجودة في المنطقة".
"مدام" برقاشي صمّمت على إحداث التغيير، خصوصاً بعد مرض زوجها في العام 1994، فبدأت العمل لإعانة أسرتها، واستطاعت تحقيق النجاحات في مجال تصنيع الأغذية، بل حازت على العديد من الجوائز الدوليّة والمحليّة في مجال الصناعات الغذائية، ولقّبت بـ"سفيرة المونة اللبنانية إلى الدول العربية".
 
الشّال
في المقابل، تبدي المعلّمة هند الشال امتعاضاً من "التهميش" الذي تعانيه المرأة في المنطقة على مستوى الثقافة المجتمعية، ممّا يضعها ضمن "صندوق الصور النمطية" وتخصيص مكاسب ذكوريّة للرجل من دون أيّ أساس منطقي. لكنها على مستوى تجربتها الشخصية تؤكد على دعم زوجها لها لاستكمال دراستها ودخول مجال العمل منذ أكثر من 20 عاماً، مع كلّ المعوقات التي كانت تواجه الفتاة عند دخولها إلى الجامعة في ذلك الوقت في منطقتها.
 
وتضيف: "كلام حق يُقال، زوجي كان الجندي المجهول الذي شجّعني على التغلّب في مواجهة الصعوبات، إذ لم يكن من المألوف أن أذهب إلى الجامعة وأوكل رعاية الأطفال لزوجي. وخلال عامين من الحصول على شهادتي دخلت مجال التعليم الثانوي، ففي منطقتنا هناك عرف سائد أن مهمة المنزل والإشراف المباشر على التعليم هي وظيفة الأم حتى لو عملت لفترة طويلة، والمقصود هنا أن أغلب الزميلات كن يعانين تقريباً من نفس المعاناة بسبب عدم فهم الشريك لهن".
 
ممرضات
معاناة النساء بشكل عام هي نفسها، بغض النظر عن مجالهن في العمل. فالممرضة يمنى س. عانت من الإقصاء والتهميش في مراكز اتخاذ القرار، علماً بأنها تفوّقت في المهارات المهنية على زملائها الرجال في وحدة العناية المركّزة خلال فترة جائحة كورونا، كما أكّدت لـ"النهار".
 
تعتبر أن "العاملات في مجال التمريض يواجهن تحدّيات اجتماعية، أهمّها النظرة السلبية، وعدم تقبّل أفراد المجتمع لطبيعة عملهن ليلاً". وتشير في الوقت نفسه إلى أن "دخولها إلى سوق العمل لم يضعها في مواجهة مع المجتمع فحسب، بل مع المتطلبات الاجتماعية والأسريّة أيضاً".
وتقول: "تعرضت لضغوط نفسية بسبب عدم توافق الظروف المهنية مع ظروف الحياة، إضافة إلى أن النظام الذكوري يعاقب القيادات النسائية عندما يعملن، ممّا اضطرني، مثل كثيرات، إلى عدم معارضة هذا النظام، وتركت وظيفتي بناء على طلب زوجي ووالده الذي اعتبر مهنتي عاراً على العائلة".
 
إسماعيل
بدورها، تقول لينا إسماعيل، وهي إعلامية ومراسلة، "عملت في مجتمع يرث "الذكوريّة" بنرجسيتها المفرطة. والتمييز بين المرأة والرجل هو من الحقائق الثابتة التي لا يمكن الجدال فيها، من الدونية والازدراء إلى تطبيق القواعد الدينية الصارمة والتمييزية في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية وغيرها. خلال تغطيتي بعض الأحداث عانيت الكثير من التنمّر كامرأة؛ فبعض الناس يجعلون المرأة في مرتبة أدنى من الرجل في السلم الاجتماعي والإنساني، ويريدون الحدّ من حريتها وحضورها في عملها، ولا ينظرون إلا إلى جسدها ووجودها كمصدر للإثارة والإغراء والفتنة وتحفيز غرائز الرجل ورغباته".
 
وتنتقد إسماعيل تغطية الصحافة المحليّة لقضايا المرأة، معتبرة أنها تتعامل معها بطريقة سطحية للغاية: "الحقيقة المؤلمة لا يمكن التغاضي عنها، فحجم التغطية الصحفية لأوضاع المرأة في المنطقة وهمومها المتعدّدة لا يتناسب إطلاقاً مع الواقع على الأرض، ولا بدّ من معالجة النقص والثغرات الموجودة في هذه التغطية للقضايا النسوية المحلية".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium