أثارت صورة "رسم العائلة" جدلاً كبيراً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي وانقساماً عمودياً بين من يطالب بضرورة التحرّك واتخاذ التدابير اللازمة في حقّ الترويج المبطّن للمثلية الجنسية للأطفال في المدراس وبين "خطأ غير مقصود ونيّة صافية هدفها تناول تنوّع العائلات حسب الظروف الاجتماعية (كالموت والطلاق- أو مكوث الجدّ أو الجدّة مع العائلة في منزل واحد)".
من رسم مأخوذ عن الإنترنت إلى ضجة إعلامية واجتماعية فرضت واقعاً مضطرباً وطرحت أسئلة كثيرة مشروعة، هل فعلاً ما حصل غير مقصود؟ وأين الرقابة المدرسية حول المواد التي يتمّ تدريسها للأولاد داخل الصفوف؟ وما هي الغاية المقصودة من هذا الفرض، والأهمّ كيف تلقّى الأطفال هذه المعلومة وما الذي ترسّخ في أذهانهم؟
سارعت إدارة مدرسة المركزية إلى إصدار بيان توضيحيّ اعتذرت فيه عن "الخطأ غير المقصود"، وأكّدت أنّ الهدف من هذه الحصّة كان التعريف عن تنوّع العائلة وحالات اليتم عند بعض الأولاد.
كذلك أشارت إلى فتح تحقيق إداريّ تبيانًا للمسؤوليّات، مشدّدةً على أننا "ملتزمون بتعاليم الكنيسة الكاثوليكيّة وبالمبادئ والأخلاق المسيحيّة ".
وقد قررت القاضية جويل أبو حيدر، الناظرة في قضايا الأحداث - جبل لبنان، استدعاء المعلمين المعنيّين ومديرة المدرسة لجلسة استماع استناداً إلى "أنه يعتبر تشجيعاً على الانحراف الجنسي الذي يتنافى مع القيم الأخلاقية والأخلاق وقوانين الطبيعة".
قد لا تكون الحصّة الفرنسية في الصف الثاني الابتدائيّ التي توزّعت فيها هذه الصورة تتقصّد الترويج للمثلية كما قيل، وقد أكّد بعض الأهالي لـ"النهار" أنّ "الهدف من هذا الرسم الموزّع كان شرح اختلاف تكّون العائلة، حيث توجد عائلة من دون أب بسبب الطلاق أو الموت، أو عائلة تضمّ الجدّ أو الجدّة التي تسكن مع العائلة في المنزل نفسه. وبمعزل عن الهدف المنشود، متسائلين "كيف لم تدقّق المعلمة في محتوى الصور جيّداً. وهل تعرف حقيقة الجهة التي كُتب اسمها على الورقة، و التي تروّج لبعض الأفكار ومنها "ضرب العائلة" واعتبار المثليّة الجنسيّة أمراً عاديّاً ومقبولاً؟".
لماذا الخوف من طرح الموضوع إعلاميّاً؟ الحادثة وقعت وبات علينا البحث في كيفية معالجتها بالطريقة الصحيحة. ما يجري في كندا وأميركا وغيرها من الدول يدفع عائلات لبنانية كثيرة للعودة إلى لبنان لإنقاذ أولادهم من "غسيل الدماغ" الذي يحصل حول مسألة المثلية الجنسية وحقّ تقرير الهوية الجنسيّة، والتعدّي على الأشخاص الذين يرفضون هذا النهج التربويّ الحديث.
لنعد إلى ما جرى في مدرسة المركزية في جونية، حيث وزّعت معلمة اللغة الفرنسيّة صورة تلّخص مختلف أشكال العائلات وتنوّعها. في هذا الصدد، رأى بعض الأهالي المعترضين أنّ "الأمر لا يمكن المرور عليه مرور الكرام وأنّ ما يجري مقلق ويتوجّب التحقّق منه ومعرفة الجهة وراءه، والتأكّد من النيّة خلف تسريب هذه المعلومة إلى الأطفال."
يقول أحد الأباء إنّ "الموضوع لا يمكن فصله عمّا يجري مؤخّراً من تحرّكات للجمعيات الداعمة للحركات للمثلية؛ وأنا كوالد لا يمكنني أن أغضّ النظر عن أيّ مساس بأخلاقيات ابني و معتقداته. لن نسمح بأن تصبح مدارسنا بؤر فساد أخلاقيّ كمدارس الغرب... فاليوم كانت ورقة ولاحقاً لا نعلم إلى أين سنصل".
وختم متسائلاً: "إلى متى تصمت الكنيسة؟ وكنّا نتمنّى منها تشديد رقابتها على مناهج، كرقابتها على تسديد الأقساط؟".
"تضخيم الموضوع"
في المقابل، يوجد رأي آخر يؤكّد فيه بعض الأهالي لـ"النهار" أنّ "أولادهم لم يفكروا مطلقاً بالمثلية الجنسية ولا يعرفون شيئاً عنها، وكانت أجوبتهم بريئة ومنطقية كوجود رجلين في الصورة مع طفل باعتبارهما الأب والعمّ". وعليه، تمنّى الأهالي أن يعالج سوء التفاهم حصراً مع إدارة المدرسة وعدم تضخيم الموضوع أكثر، لأنّ الهدف من هذا الفرض لم يكن مسيئاً للقيم وأخلاقيات الدين المسيحي ومعتقداته. فالموضوع تخطّى حجمه الحقيقيّ بكثير، وكنّا في صدد مراجعة المدرسة نهار الثلثاء، إلّا أنّنا تفاجأنا أنّ المسألة انتشرت بهذه السرعة الجنونيّة، كذلك حملة التهجّم على المدرسة وتعاليمها".
كذلك، أصدرت لجنة الأهل في المدرسة بياناً أكّدت فيه أنّ "الإدارة فتحت تحقيقاً بالحادثة سيتمّ بعده اتّخاذ التدابير اللازمة"، مشيرة إلى "أنّنا نحن أهل المدرسة المركزية لن نقبل بما يسيء إلى أولادنا وأسرتنا التربوية، ولو وجدنا أنّ هناك تراخياً بهذه المقدّسات لكنّا أوّل المتدخّلين والشاجبين. لن نسمح بعد اليوم بتوجيه الإهانات والكلام الرخيص لهذا الصرح التربويّ العريق الذي خرّج شخصيّات تركت بصمةً ريادية على مستوى الوطن والعالم".
وتمنّى البيان من وسائل الإعلام والتّواصل توخّي الدقّة في نقل المعطيات والتأكّد من مصادرها أو الاتّصال بلجنة الأهل أو الإدارة عند الحاجة للوقوف على صحة الخبر.
جميع أنواع العائلات جميلة
نعود إلى أصل الصورة التي أعدتها "إليز غرافيل" كنديّة الأصل، وفي منشور لها على صفحتها على "فايسبوك" في العام 2019 تقول: "أردتُ أن أصنع هذا الملصق منذ وقت طويل: جميع أنواع العائلات جميلة وطبيعيّة"، وتوجّهت قائلةً: "للأهل، والمدرسين، وأمناء المكتبات، يمكنكم طباعة هذا الملصق في الفصل الدراسيّ وفي المنزل (يُرجى عدم استخدامه تجاريّاً)، ففكرة النشاط الذي يمكن القيام به في الفصل: ارسم الكثير من أنواع العائلات الأخرى".
التنبّه والحذر
برأي الأب موريس خوري أنّ "ما جرى لم يكن بريئاً وكان بمثابة جسّ نبض، إلّا أنّ تفاعل الناس مع هذه الصورة المسرّبة، والجدل الذي حصل أدّى إلى تدخّل المدرسة سريعاً وفتح تحقيق بالموضوع".
وأشار إلى أنّ "ما جرى في مدرسة المركزية يُعيدنا إلى حادثة مشابهة حصلت في تموز 2023 عندما حُكي عن وجود كتب مدرسية للأطفال تشجّع المثلية، وقد استقبلت بكركي آنذاك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزراء، في لقاء تشاوريّ طرح فيه مطارنة تناول هذه الكتب المدرسية، مطالبين بضرورة التعامل مع الأمر بجدّية. وصدر قرار بتوقيف نشر الكتب ورفض التداول بها كليّاً في لبنان".
وعليه، يعتبر خوري أنّ "توزيع هذه الصور يحمل فرضيّتين: الأولى خطأ غير مقصود وهنا يجب التشديد على مراقبة كلّ ما يتعلّق بالعائلة المسيحية والتعاليم والقيم والمبادئ حولها، والفرضية الثانية أن يكون الفعل مقصوداً. إلّا أنّ ردّة الفعل أدّت إلى إحداث بلبلة، وبالتالي التوقّف عند هذا الحدّ نتيجة الغضب الحاصل".
كما يشدّد على أهمّية "عدم وضع أيّ تعاليم أو معلومات خارج التعليم المسيحيّ، والأهمّ التوقّف عند ما حصل لأنّه أمر خطير بمعزل عن الدوافع، ويجب التشديد على المراقبة لأنّ محاولة تسريب هذا النهج لن تكون الأخيرة، لذلك علينا أن نبقى متيقّظين وحذرين".