عكّار- ميشال حلاق
"تنذكر وما تنعاد"... يردّدها كلّ الناشطين البيئيّين وعشّاق الطبيعة والمساحات الخضراء، وهم يتذكّرون هول الكارثة العظمى التي سبّبتها الحرائق المدمّرة قبل عام، فرمّدت آلاف الهكتارات من الغابات في أعالي محافظة عكّار، وخلّفت دمارًا هائلًا غير مسبوق في بنية هذه المناطق التي كانت خضراء وتحوّلت رمادًا بفعل الحرائق المتعمّدة التي أضرمها مجهولون، مجرمون حتمًا، في الغابات الصنوبريّة في القطلبة - القبيات، ثم سرعان ما تمدّدت إلى المرغان والغابات الكثيفة في وادي عودين، فبلدة عندقت، ثمّ أكروم، التي خسرت أحد خيرة شبابها ضحية الدفاع عن طبيعة هذه المنطقة، لتصل النار تباعًا إلى قرى بيت جعفر في منطقة الهرمل المُتاخمة لعكّار.
في مثل هذه الأيام من العام الماضي، أحسّ العكّاريون من مختلف القرى والبلدات بأنّ قلوبهم تحترق، وهبّوا جميعهم للدفاع عن بيئتهم ولمواجهة تحدّي النار الزاحفة، حيث لا كلمات تصف ذلك اليوم المشؤوم الذي قضى على أكثر من 18 كيلومترًا مربعًا من غابات عكار، دفعة واحدة، وهي مساحة تعادل مساحة العاصمة بيروت تقريباً.
على مدى ثلاثة أيام بلياليها، اُنهكت معها فرق الإطفاء في الجيش والدفاع المدنيّ وفرق التدخّل السريع في مجلس البيئة في القبيات وأهالي القبيات وعندقت وأكروم وبيت جعفر، وجمعية درب عكّار التي أصدرت بيانًا في هذه الذكرى الأليمة جاء فيه:
"بعد مرور سنة نستطيع القول إنّ بعض البلدات العكّارية تعلّمت درساً قاسياً، فنمت فيها بعض المبادرات، وتقدّمت مبادرات أخرى كانت قائمة، وتراجعت مبادرات أخرى أيضًا.
وفريق درب عكّار لمكافحة حرائق الغابات تقدّم كثيراً ولا يزال يحقّق تقدّماً ملحوظاً في سرعة الاستجابة إلى خطر حرائق الغابات، خاصّة في منطقة جرد القيطع، التي يساند فيها الدفاع المدنيّ إلى جانب فريق المستجيب الأوّل في اتّحاد بلديات جرد القيطع.
وفي بلدة عندقت تشكّل مبادرة جمعية "تدبير"، برئاسة طوني حنّا، في تجهيز فريق لمكافحة الحرائق وتسيير دوريات للمراقبة على مدار الساعة، أملاً في حماية أحراج وادي عودين".
وتابع البيان: "بالنسبة إلينا في درب عكّار فقد تعلّمنا دروساً قاسية من حرائق ٢٠٢٠ و ٢٠٢١، وساهم جمعُ المعلومات والاستفادة منها في تطوير الأدوات والمعدّات والتدريب وخطّة الاستجابة، الأمر الذي خفّف كثيراً من وطأة حرائق ٢٠٢٢ حتّى الآن، مع أنّ مستويات الخطر لا تزال في أشدّها".
أضاف: "إنّ مكافحة حرائق الغابات في عكّار يجب أن تبدأ بمحاسبة المتسبّبين بها أشدّ المحاسبة، ثمّ يجب أنّ يُشكّل نموذج درب عكّار فرصة للمناطق الأخرى للاستفادة من التجربة وتعميمها في كيفية المكافحة والسيطرة وتجهيز المعدّات.
ولا بدّ أن ننوّه بما يبذله وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين في هذا المجال، على أمل التخفيف قدر الإمكان من أضرار الحرائق".
وختم بالقول: "لنبقَ على استعداد دائماً، فمخاطر الحرائق المدمّرة قائم، وقيمة لبنان بمميّزاته الطبيعية، فليكن الوعي واليقظة والاستعداد بالتدخّل في الحالات الطارئة عنوان كلّ أهل عكّار، فعليهم حماية غاباتهم، وهي الأهمّ، على المستوى الوطنيّ".
في خلاصة الأمر، على الدولة بكلّ أجهزتها اعتبار غابات عكّار ولبنان أولويّة لجهة الحماية، وليس مقبولًا، بعد سنة على هذه الجريمة المهولة، ألّا يُفضح أيّ مرتكب أو فاعل، وألّا يُحاسب أيّ مجرم.
والنداء الأخير لكلّ المقتدرين لا تبخلوا بتقديم الدعم للدفاع المدنيّ و لفريق درب عكّار ولكلّ الفرق والجمعيات والمجالس البيئية الفاعلة على الأرض وتشجيعها، لأنّها خطّ الدفاع الأوّل عن طبيعة عكّار التي يتحمّل أهلها المسؤولية الكبرى في حماية هذا الإرث الوطنيّ الموروث عن الأجداد والآباء.