مواكبة للاحتفال بمرور 150 عاماً على تأسيس جامعة القدّيس يوسف (1875-2025)، تحت شعار "لنوقظ مقاومتنا الفكريّة والثقافيّة" تناول رئيس الجامعة البروفسور سليم دكاش اليسوعي في خطابه السنوي في الاحتفال بعيد شفيع القديس يوسف، محاور أربعة تطرح التحديات حول دورها بدءاً من تذكر ماضي الجامعة من أجل الحاضر والمستقبل، وتقليد المقاومة الفكريّة والثقافيّة في القدّيس يوسف، التهديدات الحقيقيّة التي تطال التعليم العالي ولبنان، ويقظتنا من أجل مواصلة الرسالة.
وأحيا رئيس الجامعة قداساً مع عدد من الآباء اليسوعيين وجمع من الحضور الرسمي والاكاديمي، ثم ألقى خطابه السنويّ واستهله بالحديث عن جذور الجامعة التي تعود إلى القرن التاسع عشر، حيث بدأت فكرة تأسيسها في العام 1836. تأسّست الجامعة في العام 1875، بعد عقود من التخطيط والجهود، وبدأت في بيروت التي نمت أهميتها التجارية والثقافية بعد حوادث 1860. وشملت جمع الأموال من الولايات المتحدة لضمان إنشاء المؤسّسة، وهي على مدار تاريخها، واجهت تحدّيات عدّة بما في ذلك الحروب والمجاعة، لكنها استمرّت في خدمة التعليم في لبنان والمنطقة.
وقال دكاش أن الجامعة أدت دورا محوريًا في تطوير التعليم بالتزامن مع الحفاظ على القيم الإنسانية والتنوّع، مؤكّدة أهمية التعليم في تعزيز الهوّية والمعرفة. وبرغم المواجهات الثقافيّة والدينيّة، أثبتت قدرتها على التكيّف والمقاومة، محتفظةً بدورها كركيزة أساسيّة في المجتمع اللبناني. وهي تظلّ بعد أكثر من قرن ونصف، ملتزمة بتوفير تعليم متقدّم ومتكامل.
واعتبر رئيس الجامعة أن المقاومة الفكرية والثقافية تبدأ من الذات، وتُعزَّز بالالتزام بقيم مؤسّسية راسخة لتشكيل أساس للدفاع عن الهوّية الثقافيّة والحقوق الإنسانية. تتطلّب هذه المقاومة الإصرار على التحليل العقلاني والدفاع عن القيم في المجال العامّ. وأكد أن الأزمات تستدعي الرجوع للتفكير النقديّ والديموقراطية لمواجهة التهديدات للتعليم والثقافة. فجامعة القدّيس يوسف تؤدي دورا مهمًا في المقاومة الاجتماعيّة والسياسيّة، ومؤكّدة أهمية التعليم في بناء مستقبل أفضل للبنان وحماية تقاليده الثقافيّة ونظام قيمه.
وقال دكاش، "سأُتَّهَم بالجهل إذا نسيتُ إبراز الدور الذي لعبته جامعة القدّيس يوسف في بيروت في النضال الاجتماعيّ والسياسيّ والمقاومة السلميّة في مواجهة احتلال القوّات السوريّة لبلدنا لأكثر من ثلاثين عامًا. سيكون من الظلم عدم تسليط الضوء على أعمال المرحوم سليم عبو اليسوعيّ التي كانت صدى لغبطة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير الذي كان يدعو السوريّين إلى مغادرة البلاد. من الظلم عدم التأكيد أنّ الحركة الطالبيّة المستقلّة في جامعة القدّيس يوسف، منذ العام 1998 حتّى العام 2005، كانت رأس حربة هذه المقاومة التي كان لها وزنها في اتّخاذ قرار عودة الجيش السوريّ إلى ثكناته".
ورأى دكّاش أن التحدّيات التي تواجه الجامعات والمجتمع في لبنان متعدّدة ومعقدة، فالتقدّم العلميّ والتكنولوجيّ أدّى إلى تخصّصات متفرقة ومتعمّقة، ما يجعل من الصعب توفير تعليم شامل ومتكامل. كما أن تَحَوّل الجامعات إلى ما يشبه الشركات التي تركّز على الربح عبر منح الشهادات، يقوّض جودة التعليم ويهدّد القيم التربوية الأساسيّة. أما الفراغ الأخلاقيّ والفكريّ، فيعكس أزمة هوّية تتفاقم بسبب الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة في لبنان، ما يؤدي إلى ضعف الشعور الوطنيّ والمدنيّ.
وقال إنّ "هجرة الأدمغة اللبنانيّة، تقلّل من إمكانيّات الإبداع والابتكار والمشاركة المباشرة في الإصلاح السياسيّ، والاقتصاديّ والاجتماعيّ في البلاد، وأيضاً على الجدل الفكريّ".
ولفت إلى أن الضعف الواضح في هيكل الدولة اللبنانية وفقدان صدقيتها يزيد من التحدّيات الطائفيّة ويقلّل من الشعور الوطنيّ، ما يتطلّب جهدًا متجدّدًا لاستعادة قوّة الدولة وفعاليتها.
وشدد على مواصلة الرسالة، ففي ضوء الاحتفال بالذكرى الـ150 لتأسيس جامعة القدّيس يوسف، تبرز الحاجة إلى مواصلة المقاومة واليقظة أمام التحدّيات المستمرّة. تتبع الجامعة إستراتيجية شاملة تغطي الجوانب الأكاديميّة؛ الثقافيّة؛ الاجتماعيّة؛ والمواطنيّة لتعزيز تميّزها. وتشمل الإجراءات تطوير البنية التنظيميّة لتعزيز الحوكمة، والسعي للحصول على اعتمادات دولية تؤكّد جودة التعليم والبرامج الأكاديميّة. وعلى المستوى الثقافيّ، تستثمر الجامعة في مبادرات تُعزّز الهويّة اللبنانية والتبادل الثقافيّ، وتشجّع على الالتزام بقيم المواطنة والمساواة.