النهار

ايفيت الأشقر من ذلك الزمن الجميل
المصدر: "النهار"
ايفيت الأشقر من ذلك الزمن الجميل
الفنانة ايفيت الاشقر.
A+   A-
غيب الموت امس الفنانة ايفيت الاشقر (1928) بعد عمر من العطاء، وزمن من العزلة عانت منها في ايامها الاخيرة عندما كانت تشكو العزلة، والعجز بسبب تراجع وضعها الصحي. كانت تردد انها تنتظر الموت لانها لم تعد قادرة على الانتاج. هكذا هم الذين يعطون من فيض قلوبهم، لا يرضون بغير الانتاج الوفير والوعي. في قلوبهم توق الى المزيد، لكن الصحة لا تسعفهم.

وقالت عنها لـ "النهار" المتخصصة في علوم الفن الدكتورة رشا ملحم، العام 2021: إيفيت أشقر، إسم آخر. هي تجريدية مبدئية، لا تجسد شكلاً محدداً في تجريداتها". يمكن القول إن خطوطها يصح ربطها بالقوس، الذي هو شكل هندسي، إضافة إلى كونه شكلاً واقعياً. أما أعمالها فتجسد تساؤلاتها للحداثة، إن بصرياً أو شكلياً، أكثر من الغوص لاكتشاف أغوارها، إنها تجاوزٌ للواقع من دون بتر العلاقة معه".

وقالت: "إن انغماس إيفيت أشقر في الفن اللاشكلي عبـّر عن تجربة ووعي لمفهوم الفن الحديث"، وذكرت أن "لوحتها غنية بغزارة الحس اللوني المسكون بحساسية أنثوية، وببساطة في التشكيل وقوة في التعبير والأسلوب، وإلى جانب بعض بنات جيلها تمتلك عصباً قوياً، وقدرة هائلة على السيطرة على الأشكال وتشريحها وتبسيطها".

ورأت أن "فترة الثمانينات وما بعد تعد المرحلة الأهم والأعنف في حياة أشقر، حيث كثـُرتْ فيها الحِزَم اللونية المضيئة التي تغتصب الكتل اللونية باكتمال حسي، لتكون هي نقطة ارتكاز وثقل في اللوحة". وأوضحت ملحم "أن لوحة إيفيت أشقر اللبنانية مشغولة بذكورية مركـزة على عصب صلب فيزيائي متين، وهي مربوطة بخيط تقني ووحدة عضوية واحدة، فهي تفتح ذراعيها لنسيج مقاماتها البصرية المتآلفة شكلاً ومضموناً في لـُحمة تشكيلية متشابهة، من حيث توزيع مفرداتها التشكيلية المتداعبة في واحة بوحها الفني، وذلك بألوان تفتح المجال لأجساد أقواسها لأن تمتد فوق متن قصائدها البصرية كأنها تخترق شفافية المرأة بحركية خطوطها في فضاء التشكيل، لتولـد بذلك التناقض بين عذوبة المرأة وعصب قوي صلب هو أقرب في الانحياز الى الحس الذكوري".

رأى فيها الفنان التشكيليّ يوسف غزاوي "صاحبة قلب كبير يتسع العالم. فنانة حسّاسة رقيقة، دمثة، راقية، محبّة، كثيفة المشاعر كلوحتها الغنائيّة. مهما قلنا في إيفيت الإنسانة والفنانة نبقى مقصّرين.... لوحة إيفيت تشبهها بشفافيّتها وحضورها. فنانة متينة واثقة الخطى، ملكة اللون والضوء والنور. تبعث لوحتها الدفء حيث نحتاجه، تحضننا كعباءة رسول آتٍ من السماء والإيمان والصلاة. وقد تكون غيوماً ترسل الخير للأرض العطشى للماء، فتتحوّل إلى قوس قزح يُزيّن الأرض بعد ارتوائها. لوحاتها سمفونيّة الروح والسحر والحنان"..

كتب في وصفها الدكتور عادل قديح انها "ولدت في ساوباولو البرازيل ١٩٢٨، درست الفنون الجميلة في الأكاديمية اللبنانية ''ألبا''، أستاذة في معهد الفنون الجميلة - الجامعة اللبنانية بين السنوات ١٩٦٦ - ١٩٨٨، عرضت أعمالها في بيروت وبلغراد وروما وباريس وألمانيا وساوباولو والإسكندرية وبغداد ونالت جوائز وزارة التربية الوطنية والأونسكو ومهرجانات بعلبك''.

عندما تنعقد المنتديات حول تاريخ الفن التشكيلي الحديث في لبنان يبهت الكلام ويتراجع الحوار من دون التطرق إلى فاعلية النشاط المبدع الذي قدمته ولا تزال، الفنانة الكبيرة إيفيت أشقر.

بدأت الفنانة مسيرتها التشكيلية في خضم التبدلات الهائلة في المجالات التشكيلية، وكانت سريعة التأثر بما يدور حولها، فهي مركبة من عجين ثقافي متنوع، ينحاز إلى التيارات الغربية وسرعة تأثرها بالفردانية التشكيلية، وتخلصها من الثقافة الجمعية التي تخدم توجهات تأطيرية للمجتمع، فهي متفلتة متحررة، تنبع حريتها من قدرة الفرادنية على الفعل الجمعي وليس العكس، تلك القدرة التي تحترم المكونات الإنسانية والتي لا تخدم الوضعية القمعية للفكر، تفلتها إنساني يصل إلى حدود التجريد.

لكنها إيفيت أشقر التي تعيش الشرق بمفارقة الأساسية وتراثه التليد، هذا التزاوج نشأ بعد أن برزت التجريدية بكل تجلياتها في أوروبا كرد على الهيمنة القاسية للفكر المادي وتوليده على المستويات كافة لحربين عالميتين مدمرتين.

اثر ذلك أسهمت أشقر بإنتاجها الفني في إعادة الاعتبار لكوامن الأشياء وروحيتها. والتجريد، وفق دراسات مستشرقة، عشعش في الشرق وتوالد قبل الثورة التشكيلية الحديثة بثمانية قرون. لذلك، لم تعمل إيفيت أشقر على استعارة مفردات غربية فقط، بل إنها نهلتها من منبعها، إنما بروحية عاطفية وفردانية فريدة. لقد آثرت العمل في جو من الإبداع مناقض لتوجهات ''تشويهية'' تهدف إلى تدمير القيم الجمالية الكلاسيكية وإلى تحطيم الشكل كما فعلت التكعيبية مثلاً. إيفيت بعاطفتها الجياشة وحساسيتها المفرطة وميلوديتها الرائعة دعت عبر عملها المتواصل إلى بناء جمالي حديث، لا يأبه للشكل أو الموضوع، ولكنه يبتدع عالمًا خاصًا، جنة موعودة، تأنس إليها النفس والروح عبر الفرشاة واللون واللطخة. لذلك فإن ''تلطيخيتها'' كما في عملها هذا، اختزال لكل الأشكال وكل الحقول وكل الألوان وكل التضادات الشكلية واللونية وكل الضوء وكل العتمة، إنها اختزال الاختزال وتبسيط مسطح للنفس والروح والحياة، سطح يمتد إلى اللانهائي، ويستجلي المطلق، وغناء يصدح عبر العيون... إنها إيفيت أشقر.


الكلمات الدالة
إعلان

الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/22/2024 3:23:00 AM
المنطقة وسط أجواء أو تفاعلات حربية مع هوكشتاين ومن دونه، لذا ليس في جعبته ما يعطيه للبنان، كما ليس لأي أحد ما يعطيه للفلسطينيين في هذه الظروف والمعطيات.

اقرأ في النهار Premium