في الثاني والعشرين من أيار من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للتنوع البيولوجي، لمناقشة المستجدات التي تطرأ على النظم البيئية والتنوّع الحيوي، والعمل على وضع الحلول المناسبة للمحافظة المستدامة عليها، لزيادة الفهم والوعي بالقضايا المتعلقة بالطبيعة وسبل حمايتها وتحسين ديمومة بقائها، ولبناء مستقبل مشترك لكل أشكال الحياة من أجل استمرار الحياة.
جمعية درب عكار التي تعنى بكل ما يتصل بحماية البيئة وتنوعها البيولوجي عرّفت عن عكار ومميزاتها الطبيعية وحضورها الفريد على المستوى الوطني بالقول:
مما لا شكّ فيه أن عكار هي أغنى مناطق لبنان بالتنوع البيولوجي، وهذا الكلام ليس حبراً على ورق، إنما تؤكده الأبحاث المستمرة التي تقوم بها جمعية درب عكار بالتعاون مع الباحثين والخبراء وطلّاب الجامعات، والاكتشافات التي تتكشف نتائجها تباعاً، والتي كان آخرها اكتشاف عدة نباتات، توثَّق في لبنان للمرة الأولى، فضلاً عن اكتشاف نوع جديد من الثدييات يضاف إلى قائمة الأنواع اللبنانية، دون أن ننسى العناكب والحشرات وغيرها من الكائنات التي تتطلب دراسات معمقة. وما تقوم به درب عكار ما هو إلاّ محاولة لفتح كوّة في الجدار، عسى أن تتبعه محاولات جدية للحفاظ على هذا التنوع وحمايته بالشكل المطلوب، وهو ما يقع على عاتق الدولة بمؤسساتها والمجتمعات المحلية وإداراتها.
أضافت: التنوع البيولوجي في عكار هو نتاج حتمي لتنوعها الجيولوجي والجيومورفولوجي وما خلفه ذلك من تنوع كبير في الموائل، والبداية مع شريط ساحلي بطول نحو 17 كلم يشرف على البحر المتوسط، ثم سهل هو أكبر السهول الساحلية في لبنان وثاني أكبر سهل بعد سهل البقاع، تليه مجموعة من الهضاب البازلتية وعدد من الوديان وتفرعاتها، يخترقها 4 أنهار دائمة الجريان وعدد من الأنهار الموسمية التي تشكل بطبيعتها بيئة نهرية مميزة، ثم الجبال المتوسطة التي تضم غابات الصنوبر والسنديان وصولاً إلى قمم جبل عروبة وما فيها من أراضٍ عشبية. وبهذا السرد السريع يتبين لنا مقدار التنوع في المناخ المصغر لعكار (microclimate) وهو ما ينعكس بدوره على تنوع هائل في النظم البيئية والموائل.
ولفتت الجمعية إلى أنه وخلال السنوات الماضية، أجرى فريق درب عكار مسحاً متعدد الطبقات لأنواع مختلفة من النظم البيئية في المحافظة، وما تبين صادم بعض الشيء، إذ أن أغلب التنوع البيولوجي العالي يتركز في موائل محددة أبرزها الجبال العالية من ارتفاع 2200 متر تقريباً حتى ارتفاع 1000متر، وتعتبر الأراضي العشبية والغابات المفتوحة التي تتخللها مناطق رطبة هي الأعلى تنوعاً حتى من الغابات الكثيفة التي وللمفارقة لا يقارن التنوع الموجود فيها بما هو موجود على الجبال العالية، خصوصاً على صعيد الحشرات والملقحات مثل النحل و غيره والتي تفضل المراعي الواسعة وهو ما يؤثر بدوره بشكل كبير على التنوع البيولوجي.
أضافت: حتى الآن استطعنا توثيق ما لا يقل عن 1000 نوع من النباتات البرية في عكار، ونتوقع أن يصل الرقم إلى نحو 2000 من أصل قرابة 2800 نوع في لبنان خلال السنوات الخمس المقبلة، وكافة أنواع الثدييات الموجودة في لبنان والتي توجد أيضاً في عكار، يضاف إليها أكثر من 130 نوعاً من النحل البري، وآلاف الأنواع من الحشرات والعناكب والمفصليات وغيرها من الزواحف والقوارض التي لم يوثق بعضها حتى الآن سوى في عكار.
وخلصت الجمعية إلى أن عكار هي كنز وطني من التنوع البيولوجي، وهي تواجه العديد من الكوارث والأزمات البيئية المتلاحقة الناتجة عن النشاط البشري والتوسع باتجاه الغابات والجبال العالية، من المرامل والمقالع إلى قطع الأشجار والحرائق والتلوث وهو ما يهدد مستقبل هذا التنوع في ظل عدم وجود خطوات حقيقية لمعالجة هذه الأزمات المتلاحقة، وبعض الأنواع التي وثقناها قد تختفي إن استمر الوضع كما هو، والأكثر خطراً أن يتجه نحو الأسوأ.