في خطوة تاريخية نحو تحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب، كلّفت الحكومة اللبنانية وزارة الخارجية بتقديم إعلان يمنح المحكمة الجنائية الدولية صلاحية التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة على الأراضي اللبنانية منذ 7 تشرين الأول.
ويأتي هذا الإعلان في وقت نشهد فيه تطوراً واضحاً في محاسبة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، مع ترقب احتمال إصدار مذكّرات توقيف بحق مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم تشمل "التجويع" و"القتل العمد" و"الإبادة و/أو القتل.
في 26 نيسان 2024، أصدر مجلس الوزارء اللبناني قراراً كلّف فيه وزارة الخارجية تقديم إعلان إلى "قلم المحكمة الجنايئة الدولية" قبوله اختصاص المحكمة بالتحقيق في الجرائم التي تدخل في اختصاصها وملاحقة مرتكبيها.
وبالرغم من أن لبنان وإسرائيل ليسا عضوين في المحكمة الجنائية الدولية، فإن السعي كان لإعطاء هذه الصلاحية. كيف؟
يشرح المحامي فاروق المغربي أن مجموعة من الحقوقيين والخبراء تقدموا بورقة مع النائبة حليمة القعقور، تضمّنت المسارات القانونية، بالاستناد إلى المادة 12، الفقرة 3، من اتفاقية روما.
وبعد مناقشتها في لجنة الإدارة والعدل والموافقة عليها، تمّ تحويلها إلى الحكومة، التي أصدرت قراراً منذ أسبوعين بإعلان اختصاص المحكمة الجنائية الدوليّة للنظر في جرائم الحرب المرتكبة في لبنان منذ 7 تشرين الأول ضمن مهلة زمنية ومكانية محدّدة.
لكن المفاجأة اليوم -وفق المغربي- كانت "بعدم إرسال وزارة الخارجية، حتى الآن، هذا الإعلان الذي يتضمّن الموافقة على التحقيق. وهذا الانتصار الأولي الذي قامت به الحكومة اللبنانية ينتظر إرسال وزارة الخارجية الرسالة إلى المحكمة الجنائية الدولية حتى نخطو خطوة تاريخية نحو العدالة".
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية هي الجهة المخوّلة إرسال هذا الإعلان، إما عبر قنصليّة لبنان في هولندا وإما عبر قنصلية لبنان في لاهاي.
وعن أسباب التأخير، يُدرجه في خانة "التأخير على الطريقة اللبنانية. وقد شهدنا سابقاً تأخيرات في ملفات أخرى، وتوقف الملف في مكان ما".
القصف الإسرائيلي على الجنوب.
خطوة لبنان تُعيد إلى الأذهان ما قامت به دولة أوكرانيا التي خطت المسار نفسه في العام 2014 حين أعطت صلاحية للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها روسيا.
ويرى المغربي أن "إعطاء الدول المعتدى عليها الصلاحية للمحكمة مهم جداً، لأنّ هذه المحكمة تحاكم جريمة العدوان، الجرائم ضد الإنسانية ، الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، ومن ضمنها القتل المتعمد للصحافيين، والهدف منها قتل وإسكات الحقيقة.
وعليه، وثّق لبنان محطات رئيسية من جرائم الحرب المرتكبة على أرضه، ومنها استخدام الفوسفور الأبيض، الذي يعتبر جريمة حرب، لأن طريقة استعماله إسرائيلياً هي طرقة محرمة، حيث يتم حرق آلاف الهكتارات من بساتين الزيتون وغيرها من الأشجار. كذلك، هناك أحداث أخرى مثل قتل الصحافيين وقتل المدنيين، تؤكد وتشير إلى وجود إثباتات لارتكاب إسرائيل جرائم حرب، بالإضافة إلى القصف الممنهج والمتواصل للقرى الجنوبية".
قد يكون وصف المغربي الأبلغ اليوم أننا "نحن أمام لحظة مهمة جداً، خصوصاً في هذه المرحلة الحاسمة، حيث الكل يترقب المحكمة الجنائية الدولية لإصدارها مذكّرات التوقيف بحقّ مسؤولين من إسرائيل. هذه خطوة محورية نحو ضمان العدالة في جرائم الحرب في لبنان".
وكانت "هيومن رايتس ووتش" وثّقت هجومين إسرائيليَّيْن في لبنان في 13 تشرين الأول 2023 أديا إلى مقتل الصحافي في "رويترز" عصام عبد الله وإصابة ستة آخرين، وخلصت إلى أن الضربة كانت هجوماً متعمداً مفترضاً وتشكل بالتالي جريمة حرب.
وفي هجوم آخر شنه الجيش الإسرائيلي في لبنان في تشرين الثاني، وثّقت هيومن رايتس ووتش أن مقتل ثلاث طفلات وجدّتهن كان أيضاً جريمة حرب مفترضة، كما كشفت عن استخدام الجيش الإسرائيلي الفوسفور الأبيض في عملياته في لبنان منذ 7 تشرين الأول.
فهل نحن أمام فرصة طال انتظارها لإنهاء الإفلات من العقاب المستمر منذ عقود؟