قلّدت مديرة المركز الثقافيّ الفرنسيّ في لبنان سابين سيورتينو المحلّلة النفسيّة والبروفسورة ليلى شيخاني ناكوز وسام الفنون والآداب باسم وزيرة الثقافة السابقة ريما عبد الملك، تقديراً لمسيرة مشرّفة جدّاً كان لها حصادها الوافر في لبنان، وأبرزها سعيها الدؤوب لتعزيز النمط المؤسّساتيّ في غالبيّة النقابات والمبادرات التي ساهمت في إطلاقها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نقابة المعالجين والمحلّلين النفسيّين، والمنتدى "اللاكانيّ" في لبنان، تيمّناً بجان ماري لاكان، إضافة إلى كتاباتها وأبحاثها وإصداراتها.
طبعت المجال الأكاديميّ في مسيرتها كمحاضرة وأستاذة زائرة في كلّ من جامعتَي باريس "السوربون" و"جان مونيه"، مع تنويه مهمّ من الجامعة اللبنانية التي منحتها لقب الأستاذة الفخريّة في علم النفس.
أصرّت ناكوز، الحائزة على دكتوراه في التحليل النفسيّ، أن يكون التكريم في بيروت كفعل صمود ومقاومة، ما جعلها تنتقل من مركز إقامتها في باريس إلى مدينتها بيروت المثقلة بالهموم والخيبات، لتكون قريبة كالعادة من لبنان المأزوم.
صمود أهل بيروت
قبل بدء التكريم، الذي توافد إليه أفراد كلٍّ من عائلتها الصغرى كأولادها وأحفادها، وعائلتها الكبرى كرفاق دربها في هذه المهنة وطلّابها، تحدّثت لـ"النهار" عن التحليل النفسيّ واصفة إيّاه بأنّه في قمّة انتشاره، ما دفعها إلى تأسيس المنتدى "اللاكانيّ" في لبنان، الذي يضمّ البيئة الحاضنة للمحلّلين النفسيّين، وهم ينكبّون في عيادات متخصّصة على متابعة مرضاهم، مع تشديدها "أنّنا نخصّ أحياناً نهاراً خاصّاً توعويّاً معروفاً بالأبواب المفتوحة لإرشاد الناس وتوجيههم إلى عالم التحليل النفسيّ وفضائه الواسع، إضافة إلى تأسيس مركز آخر للعلاج النفسيّ".
كيف ترين واقع اللبنانيّين نفسيّاً؟ أجابت بثقة أنّ "الكثير من الجيل الشاب غادر لبنان، لكنّ من بقي هنا يعيش صموداً يحتذى به، ويقاوم للبقاء في أرضه."
توقّف الحديث المختصر المفيد بيننا لتعلن المسؤولة عن الشراكة والبروتوكول في المركز الثقافيّ الفرنسيّ أندريه واكيم بدء الحفل. برز في كلمة سيورتينو الأسباب الموجبة -وما أكثرها- لتقليد امرأة تتمتّع بمزايا متشعّبة جدّاً، وأبرزها أنّها "سفيرة" الفرنكوفونيّة، التي تحملها في أسفارها وتنقّلاتها.
اعتبرت أنّ الأمر طبيعيّ لأنّها شبّت على تذوّق اللغة الفرنسيّة من والديها رجل الفكر أنطوان وأمها إيفلين، التي كانت تدقّق بمهارة مضمون التعابير الفرنسيّة ولو كانت مدوّنة في القاموس اللغويّ الفرنسيّ.
أثنت على جهودها الجبّارة في رفع شأن المهنة من خلال مبادرات متنوّعة منها في إصدارات متعدّدة ومعمّقة في علم التحليل النفسيّ، التي نُشرت بين باريس ونيويورك..."
نوّهت أيضاً بنسويّة ليلى شيخاني ناكوز ودفاعها الشرس عن حقوق المرأة، مذكّرةً بما أنجزته مع المخرج فيليب عرقتنجي في فيلم "مسار نساء، مسار أمّهات"، الذي جاء تحيّة للأمّ اللبنانيّة ودورها كمهمّة صعبة، إلى درجة أنّها باتت وظيفة بدوام كامل، ما دفع ناكوز وعرقتنجي إلى جمع شهادات هؤلاء النساء ومعاناتهنّ وتطلّعاتهنّ في كتاب.
ليلى في سطور
توالى ستّة متحدّثين في هذا التكريم ليكون كلام كلّ واحد منهم جزءاً من "بورتريه" ليلى شيخاني ناكوز، بدءاً من شهادة ابنتها سينتيا لوروا، التي روت باسم العائلة القيمة المضافة لوجودها كوالدة وأمّ وامرأة نموذجيّة سابقة لعصرها في حياتهم. ثمّ تردّدت من بعدها في الحفل كلمات حبّ عفويّة من ثلاثة أحفاد إلى جدتهم وهم ألكسندر (6 أعوام)، إميلي (4 أعوام) وآمبر (3 أعوام).
ثمّ جاء دور العائلة الكبرى لليلى. فقد كشف الكاتب في دار "لارماتين" الفرنسيّ والمترجم نبيل كبابه بكلمته المفعمة بالصداقة سرّ نجاح ليليان، التي يسكنها شغفٌ عظيم للعطاء ولعملها وللإنسان.
برزت إلى العلن مزايا فريدة للمكرّمة في ثلاث شهادات لرفاق الدرب، ركّزت كلّ منها على حقيقة واضحة مفادها أنّ الدكتورة ليلى شيخاني ناكوز شاركت المعرفة مع الآخرين بتواضع لافت في شخصيّتها ومقاربتها الودودة للنّاس.
عكست المحلّلة النفسيّة الدكتورة إيلين عيسى في كلمة باسم القدامى أهميّة المسيرة، التي استندت فيها إلى الانفتاح على الآخرين، من خلال التحليل النفسيّ والسهر على العناية بالآخرين من خلال هذه المقاربة العلميّة.
أمّا المحلّلة النفسيّة سينتيا جبّور فقد عرضت لأهميّة مركز "بيينغ Being الذي أسّسته ناكوز في العام 2009 في لبنان ليكون مركزاً للتشخيص وللعناية وللتمرّن على العلاج والتحليل النفسيّ، تلاه بغصّة واضحة كلمة من المحلّلة النفسيّة تمارا ضرغام، التي ألقت كلمة باسم الرعيل الشابّ في المنتدى "اللاكانيّ"، أوضحت فيه الأثر الكبير، التي زرعته ناكوز في نفوس كلّ المنتسبين إليه.
ختاماً، عرضت البروفسور ليلى شيخاني ناكوز لمسيرتها الثقافية بدءًا من المنزل حتّى مقاعد الدراسة وصولاً إلى مرحلة الحرب المجنونة في بيروت، مستشهدة بجملة للشاعرة ناديا تويني عكست من خلالها الواقع المأساويّ للحرب، مستندة إلى قول تويني: "ماتوا جماعات أيّ كلّ واحد وحده،"، وهي سرديّة تُظهر فظاعة الحرب وتداعياتها على الفرد، الذي يلقى حتفه وحيداً ولو صودف موتُه مع جماعة.
روت ناكوز على مسمعنا مسيرة مضيئة في الحياة والتحليل النفسيّ وحبّها للبنان وناسه.
[email protected]