لا يشبه المشروع الفني لجوزف الشالوحي عن "الظلال البكسيلية: ذاكرة وتحوّل" إلا نفسه لأنه من رحم الأرض، أي من جرن التراب نفسه.
الشالوحي الغارق طوعاً في الهندسة المعمارية والفن التشكيلي، حاز براءة اختراع لمشروع من الدولة الفرنسية، وحاول بخبرته أن يستنهض الذاكرة من خلال نموذج قريته دار بعشتار في الكورة، ليتحدّث عن الإرث الثقافي والمعماري والطبيعي والاجتماعي والشخصي للمكان وناسه، مستخدماً التحول الرقمي، وتحديداً الصورة التقليدية وتقنيات حديثة تستخرج جوهر الذكريات وهوية التراث الثقافي لهذه البلدة؛ وهو مشروع قد ينتقل إلى قرى وبلدات عدّة لتؤرّخ من خلالها التغيير المفاجئ لمعالم وأمكنة لم تكن كما عرفناها مع الوقت؛ وهذا أمر شائع في بلدات عدة في مدينة بيروت وضواحيها.
حاولت " النهار" التعرف من كثب على هذا المشروع الفني المرتكز على استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لعزل وتحويل الظلال في الصور الفوتوغرافية إلى عناصر رسومية، ما يخلق ذاكرة نابضة بين المشاهد والعمل الفني ومكان المنشأ، مع تقديم تفسير مواكب للذاكرة والتاريخ.
كيف انطلق المشروع ذاته؟ أشار الشالوحي إلى أن "المبادرة قامت على تجميع الصور المؤثرة جداً، أي المناظر والمعالم والمباني والناس في القرية نفسها، التي شاركها رواد مواقع وسائل التواصل الاجتماعي"، موضحاً أنه "عمد إلى فصل الصورة عن الظل الساكن فيها عبر تطبيق "فلتر" الذكاء الاصطناعي، ما سهّل استخراج الظلال من الصور الفوتوغرافية، التي فرضت نفسها نتيجة الضوء، وهي لا تمت للحقيقة بأي صلة".
فالصور، وفقاً له، "تتألف من قسمين: الأول خاص بالناس والعامة، والثاني خاص بالعمارة". وأشار إلى أنه رصد "في العمارة في بلدتي 5 كنائس تعرّض بعضها بفعل فاعل إلى مسح جداريات الكنيسة الصغرى للسيدة، فيما واجهت كنيسة مار شليطا قدرها الصعب في تغيير جذري في هيكليتها العائدة إلى العهد الصليبي؛ وذلك بناء على قرار شخصي"، موضحاً أنه "بعد ردمها، تمّت إعادة بنائها بالحجر نفسه للهيكل المختلف كلياً...".
المواد والتراب
كيف جسد هذه المعالم وناسها؟ قال: "أستخدم التراب وأمزجه بمواد ليتحول إلى معجون أساسي يمتد على طول اللوحة، ليتم بعد ذلك وضع الصورة، ولتتحول فناً تشكيلياً معاصراً". قال: "يتحول التراب إلى "الشاهد الصامت" على كل ما يحصل على الأرض، أي الوقت الكافي لاستنهاض الذاكرة الحية في كل مجتمع؛ الذاكرة التي تشوهت وتأثرت بالمجتمع".
أشار إلى أن "الصور تتألف من مجموعة من النقاط الصغيرة الملونة بما يُكوّن لوحة بكسيلية ملونة، هي فعلياً لوحة تشكيلية تجريدية غنية بالتربة المحلية، وترمز إلى الارتباط العميق بالبلدة نفسها، من خلال استخراج الظل من الصور الفوتوغرافية كعناصر رسومية وطباعتها على الورق ليخلق عملاً فنياً محكماً وبصرياً وتواصلاً ملموساً بين المشاهد والعمل الفني ومسقط الرأس أو مكان المنشأ، مع تقديم تفسير عصري جداً للذاكرة والتاريخ" .
شدد على "أهمية الذكريات والأخبار في حياة الإنسان وأهمية الانتماء إلى المكان والزمان، مع معلومة مهمة أننا شركاء في صناعة تاريخنا. إنها المرة الأولى التي يتكامل فيها الحجر والبشر في تعريف التاريخ من خلال اللوحة-الصورة".
ختاماً، أكد أن "الظلال ليست شيئاً تقليدياً، بل عامل يطور ما عليه في محاولة للمصالحة مع الذات والآخر وما بين كل منهما".
[email protected]