ل.ج.
لا أحد يعرف ما يجري داخل الأبواب المغلقة، ولا أحد قادر أن يستوعب فظاعة الجرائم التي نشهدها في الآونة الأخيرة، والتي تُعرّي سلوكيّات مريبة ونوايا مقلقة لم يكن أحد يتوقّعها. في عجلتون، كان موعد مع جريمة مروّعة جديدة، ضحيتها جوسلين ضومط التي قُتلت على يد العاملة المنزلية الكاميرونيّة بطعنات سكّين وخنق.
التوقيت مريب، ساعات الفجر الأولى كانت قاسية على ذلك المنزل، وسيلة القتل كانت السكّين، وأسباب الجريمة ما زالت غير محسومة في ظلّ تعدّد الروايات.
غرقت الضحية بدمائها بعد تلقّيها 5 طعنات، لم تسلم من جرم العاملة التي أنهت حياة ابنة الـ41 عاماً، زوجة وأمّ لثلاث بنات. لم يُقاوم جسدها الطعنات والخنق من خلال شريط كهربائيّ خاصّ بمكنة الـVape، فتوفّيت غدراً وظلماً.
تُعيد هذه الجريمة إلى الأذهان جريمة مشابهة وقعت في منطقة الرابية في العام 2017، حيث أقدمت عاملة منزلية على قتل مخدومتها سهى سكاف وطعن زوجها شارل، 7 طعنات، وكانت حالته الطبّية مستقرّة.
اعترفت العاملة الأثيوبيّة بفعلتها قائلةً إنّ "حالتها العصبيّة دفعتها إلى قتل الزوجة وطعن الزوج". وفي التحقيق معها، أكّدت أنّها لم تتعرّض يومًا لأيّ تعنيف، بل لتضييق على حياتها الخاصّة.
ما زال من المبكر استخلاص النتائج ومسار الجريمة بكلّ تفاصيلها، البعض يقول أنّ العاملة دخلت إلى غرفة ج. بهدف سرقة جواز سفرها الموجود في الخزنة، وعندما استيقظت الضحيّة وقع شجار بينهما قبل أن تطعنها الخادمة بالسكّين وتخنقها. أمّا الرواية الثانية فتقول أنّ العاملة قتلت ج. ومن ثمّ توجّهت إلى الخزنة لسرقة المال وجواز سفرها. وبعد أن باءت محاولة السرقة بالفشل توجّهت إلى بيت الجيران لطلب المساعدة والإبلاغ عن سرقة في المنزل لإبعاد الشبهات عنها.
تعيش بلدة عجلتون حالة من الغضب والحزن بعد هذه الجريمة المروّعة، غليان في النفوس واستياء عارم. العيون مُشخّصة على البنات اللواتي لم يتبلّغن بعد خبر وفاة والدتهنّ، فجميع النّاس في كفّة وبناتها في كفّة أخرى.
اعترفت العاملة بفعلتها، ولا شيء يُبرّر جريمتها، لكن من المهم جدّاً عدم التعميم وتصوير العاملات الأجنبيّات على أنهنّ مجرمات ومسيئات في حقّ مخدوميهنّ. ما جرى مع الضحية ج. حالة فرديّة لا يمكن تعميمها على جميع العاملات، ونحن لسنا في موقع الدفاع عنهنّ أو تبرير أفعالهنّ، إلّا أنّ عدداً لا بأس به يواجه أسوأ معاملة وتعنيف، وبعضهنَّ يحرم من حقوقه ورواتبه، وبعضهنّ انتحر أو هرب لإنقاذ نفسه.
في احصاءات 2014 الصادرة عن وزارة العمل، سُجّل وجود 254 ألف عاملة من مختلف الجنسيّات، إلّا أنّه بعد الأزمة الاقتصاديّة في العام 2019 انخفض العدد قليلاً قبل أن نشهد زيادة اليوم لعاملات من جنسيّات مختلفة، وغالبيّتها من الدول الأفريقيّة.
يتأسّف نقيب العاملات في الخدمة المنزليّة كاسترو عبدالله على هذه الجريمة النكراء، متوجّهاً بأحرّ التعازي إلى العائلة، ويعترف أنّه: "للأسف نشهد بين الحين والآخر جرائم مشابهة من مختلف أطياف المجتمع ولدوافع عديدة".
ويعترف عبدلله بوجود حالات "نلمسها يوميّاً تنتهي بمأساة نتيجة الضغوط النفسية والوضع المعيشي، ولستُ في موقع تبرير الجريمة ونحن ضدّ أيّ عنف يُستخدم سواء اللفظيّ منه أو الجسديّ، فكيف إذا كنّا نتحدّث عن جريمة قتل، لكن علينا الاعتراف أيضاً أنّ هناك عاملاتٍ لم يتقاضين رواتبهنّ لسنوات، وتلك الحالات موثّقة في المحاكم، في حين تَرتكب بعض مكاتب الاستقدام أخطاء في حقّ العاملات من خلال وعود كاذبة، ويكون واقع عملهنّ مختلفاً تماماً وبظروف قاسية. كما أنّ بعض العاملات يواجه معاملة سيّئة وانتقاصاً بالحقوق، وكذلك يُحرم من حقّ الخروج من المنزل... كلّ هذه الأمور من شأنها أن تولّد حالات نفسيّة وعصبيّة صعبة، ونعمل مع بعض الجمعيّات على معالجة هذه الحالات لتفادي الوصول إلى كارثة كما حصل اليوم في عجلتون.
وبالفعل تمّ ترحيل عدد من العاملات في الخدمة المنزليّة بعد أن كشفت الفحوص أنهنّ في حالات نفسيّة سيّئة، وفق ما يؤكّد عبدلله.
في حزيران الماضي، وخلال مؤتمر منظّمة العمل الدوليّة الذي شارك فيه لبنان، أظهرت التقارير أنّ لبنان يمارس العمل الجبريّ، فأُخذ قرار بإرسال بعثة إلى لبنان للعمل على هذه النقطة. والمطلوب اليوم العمل على تحديث وتعديل التشريعات والقوانين لتحسين ظروف العمل والتخفيف من هذه الضغوطات النفسيّة والاقتصاديّة.
وبرغم كلّ هذه المسبّبات، يرفض عبدلله التسليم بالأمر الواقع الذي يؤدّي إلى حدوث جريمة، لأنّ هذا العمل مرفوض ومُدان، ولا بدّ من أخذ كلّ الإجراءات لحماية الناس وعائلاتهم، خصوصاً أنّّنا نُسلّم العاملة أغلى ما نملك، أيّ أطفالنا، ولكن في المقابل على الناس أن يبادروا إلى إعطاء الحقوق لهؤلاء العاملات. علينا أن ننظر إلى الصورة من بعيد حتّى نؤيّدها أو نحكم عليها.
ما جرى مع الضحيّة ج. قاسٍ، هي ليست الضحيّة الأولى وقد لا تكون الأخيرة في بلد مفتوح على الفوضى والجرائم والسرقات والاغتصاب. حال اللبنانيّين كحال العاملات الأجنبيّات، بعضهم جيّد وبعضهم سيّئ، الكلّ يعاني في بلد تتوالى فيه الأزمات، ولكن لا بدّ من مراجعة موضوعيّة للحال التي وصلنا إليها، وتبعاً نسبة الجرائم المتزايدة.