لبنان غنيّ بالعالم الجوفي سواء من مغاور أو من هوّات، بسبب قرب جبله من الساحل وجيولوجية تكوينه وما مرّ عليه عبر العصور. وفي اكتشاف نوعي، أعلنت "الجمعية اللبنانية لدراسة المغاور" هوة "قطين عازار" في عينطورة – المتن، كأكبر مغارة في لبنان ودول المشرق.
وهذه الهوة هي ثاني أعمق هوة في لبنان بعد هوة "فوار دارة"، وتضم أكبر امتداد تحت الأرض في لبنان والمنطقة، يتجاوز امتداد مغارة جعيتا الجوفي. يبلغ عمقها 507 أمتار، وتمتد على 11867 متراً من الممرات والآبار وروافد الأنهار، ما يجعلها عنصراً مهماً في التنمية المستدامة.
وقد استغرق استكشاف الهوة وباطنها حوالي 27 عاماً، بين عامي 1996 و2021، لاستكشاف 9517 متراً من الآبار والممرات الواسعة داخل الهوة، نظراً لصعوبة الوصول إليها، إذ كانت مشتى للأغنام.
وتقول دارين صالح، العضو في "الجمعية اللبنانية لدراسة المغاور" لـ"النهار"، إنّه لم يكن اكتشاف هذه الهوة سهلاً أبداً، فالأمر يستدعي لياقة بدنية ومهارات متطورة في الاستغوار. ولضمان نجاح المهمة، استُخدمت أطنان من الحبال وكمّية كبيرة من معدات التنقيب. وقد قضى المستكشفون أياماً على عمق مئات الأمتار في الجوّ البارد والرطب والموحل تحت الأرض.
هذه الهوّة لا تصلح لأن تكون سياحية لأنّها مورد طبيعي مائي مهم جداً للبنان بالدرجة الأولى، لكن قد يُفتح جزء منها للسياحة، تؤكد صالح. فمغارة جعيتا، عند اكتشافها في بدء الأمر لم تتحوّل إلى معلم سياحي فوراً، بل جرت الاستفادة من الماء الذي في داخلها لتوليد الكهرباء، ثم تحوّلت إلى معلم سياحي.
لذلك، ليس كل هوة أو مدخل في جوف الأرض، يصلح لأن يكون مغارة سياحية. فما بين المغارة السياحية وغير السياحية فرق كبير، فباطن الأرض غنيّ بالموارد الطبيعية وهو ما يضمن استمراريتنا على سطح الأرض.
وعن إمكانية تطبيق مشروع المغارة الرياضية، ترى صالح أن الأمر يحتاج إلى لياقة بدنية ومهارة بالاستغوار. فداخل الهوة أماكن يصعب الوصول إليها وهناك إجراءات وقائية يجب اتباعها، ولا يُعرف ماذا يمكن أن يقع على رأس الشخص فيما المغاور موطن للوطاويط، ودخولها يتطلب عدم وجود الشخص بمفرده، والإخبار عن هذه الزيارة في حال تعرّض أحدهم لحادث ما داخلها، وأن تكون الإنارة والطعام والإسعافات الأولوية متوفرة وكافية. كما أنّ هناك أشخاصاً يعانون من فوبيا من الأماكن المغلقة والعميقة أو يعانون من أمراض معيّنة لا يمكنهم النزول في الأعماق.
وبعد اكتشاف النهر الجوفي في الهوة في 24 أغسطس 1996، تعاونت الجمعية مع المكتب الفني للتنمية (BTD) ووزارة الطاقة والمياه ومجلس الإنماء والإعمار لدراسة إمكانية استخدام المياه. ونظراً لغزارة المياه، نُفّذ مشروع لاستخراج 6000 متر مكعب من المياه يومياً، لتزويد 27 بلدة في منطقة المتن الأعلى بالمياه العذبة، ما ضمن استدامة المنطقة بالمياه.
هل تكون الهوّة رياضية؟
يشير وزير الشباب والرياضة جورج كلاس، في حديث لـ"النهار"، إلى أنّه "في الدرجة الأولى، يجب أن يُكشف عن ملكية هذه الأماكن، إن كانت مشاعات للدولة أو أملاكاً خاصة، إلى جانب تحديد مرجعية هذا المعلم، أي لأي وزارة يتبع، والسعي حالياً لتحويلها إلى معلم سياحي".
وتفيد مصادر وزارة السياحة لـ"النهار" أنّ وزارة السياحة حالياً بصدد اقتراح مشروع أن تكون هذه الهوة رياضية-سياحية بالدرجة الأولى، لذا يجب البحث في الشروط الرياضية مع وزارة الشباب والرياضة لوضع الشروط والمواصفات الخاصة للمضيّ بمشروع مرسوم، وهذا يستغرق وقتاً، إلى جانب كونه يحمل بعض الصعوبات ولا سيما في ما يتعلّق بالسلامة العامة وسلامة المغارة في الوقت نفسه. فحتى في مغارة جعيتا السياحية، تجري مراقبة الرطوبة فيها، وعدد الداخلين إليها للمحافظة على الصواعد والنوازل التي تتأثر بالنفَس الساخن ودرجة الحرارة.
وبحسب المصادر، من الصعب أن تتحول هذه الهوّة إلى مغارة سياحية في الوقت الحالي، وحتى الآن هي غير جاهزة لذلك ولا ترخيص لهذا المشروع من قِبل وزارة السياحة، فالشروط السياحية الحالية لا تنطبق على هذه الهوة. وتحويل هذه الهوة إلى معلم سياحي يحتاج إلى استثمار كبير ووقت طويل ودراسة إضافية من قِبل جيولوجيين ومستغورين.
والحالة كانت مماثلة مع مغارة العاقورة، فتكوينها الداخلي صعّب وصول أيّ شخص إليها وتحتاج إلى شروط خاصة. ولا يمكن للعموم النزول إلى هوة عازار، بل للرياضيين والمتخصصين بالاستغوار.