وسام اسماعيل
تشهد البلديات في لبنان أزمة خانقة تهدّد بشل قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. فتأخّر الدولة في دفع المستحقّات المالية للبلديات، وتراجع ميزانياتها نتيجة الأزمة الاقتصادية، أديا إلى انهيار الدور التنموي والخدماتي لهذه السلطات المحلية، بما ينذر بتداعيات وخيمة على جودة الحياة العامة.
تأثير تأخر الدولة في دفع مستحقات البلديات واتحاداتها له وقعه الخاص على منطقة بعلبك - الهرمل المحرومة أصلاً من خدمات الدولة. فانعدام القدرة المالية حدّ من قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية كالنظافة والإنارة والصيانة ومعالجة البنية التحتية، وهذا ما أدّى إلى تراجع دورها التنموي والخدماتي وانحساره الى أدنى مستوياته، وجعل جودة الحياة العامة أمام مزيد من التراجع على كل المستويات، وصولاً الى المساحات الخضراء، وفاقم المشكلات البيئية والصحية المتراكمة.
الأزمة الخانقة التي تعانيها البلديات، تعدّ انعكاساً لحال الانهيار الشاملة التي يشهدها البلد على كل الصعد. ومن الواضح أنّ تردّي واقع هذه المؤسسات المحلية قد أثّر على نحو مباشر في جودة الحياة العامة للمواطنين. ومع استمرار تأخر الدولة في دفع مستحقات البلديات، فإن المخاطر المحدقة بهذا القطاع تتزايد يوماً بعد يوم. وبالتالي، فإن البلديات تحتاج إلى إنقاذ عاجل من الحكومة قبل الانهيار الكامل.
اضطر العديد من البلديات إلى محاولة جمع تبرعات من ميسورين، ولو بقدر بسيط، لتمويل أبسط الخدمات. هذه الحال يؤكدها رئيس اتحاد بلديات بعلبك شفيق شحادة الذي يقول لـ"النهار" إن "البلديات واتحادات البلديات تمر بأزمة خطيرة بسبب التأخير في صرف عوائدها المالية، ولاسيما منها عائدات الخليوي التي توفر لها الدعم الأكبر، نظراً الى عدم تقاضي أي رسوم من المواطنين. فالدفعة الأخيرة التي تسلمتها البلديات كانت عن عام 2021، وصرفت على سعر صرف 1500 ليرة. وعلى رغم تردي الأوضاع المعيشية، لا تزال الوعود بتسليم هذه العائدات عن الأعوام الفائتة الأخرى من 2018 حتى 2022 حبراً على ورق، الأمر الذي أثار أزمة حقيقية على المستوى المعيشي لمئات الموظفين الذين لم يتقاضوا رواتبهم طوال أشهر عدة بسبب نفاد الأموال من صناديق البلديات".
نحو الإضراب المفتوح
ويكشف شحادة أن "موظفي اتحاد بلديات بعلبك كانوا ابلغوه عزمهم على الإضراب المفتوح، نظراً الى عدم تسلمهم رواتبهم للشهر الثامن. فأزمة الرواتب لها انعكاساتها السلبية إلى جانب المشكلات المالية والخدماتية، والزيادات التي أقرتها الحكومة أخيراً لهؤلاء، وهي محقة، رفعت من نسبة الديون المترتبة وزادت من عجز الخدمات. فالأزمة تتفاقم بسبب السياسات المالية التي تمارس على البلديات من دون مسؤولية من المعنيين. فحتى إذا حولت عائدات الخليوي، لا تكفي لسداد الديون المتراكمة. فاتحاد بلديات بعلبك على سبيل المثال لا الحصر تصل الديون فيه إلى 8.5 مليارات ليرة، معظمها رواتب للموظفين. لذلك، نطالب بالإفراج عن أموال الصندوق البلدي المستقل، والعائدات الخليوية التي تأخرت حتى الآن، على رغم أنها أموال مدفوعة مسبقاً".
وفي ظل الظروف القاهرة يجد موظفو البلديات أنفسهم في موقف صعب ومرير. فبعد تقديم جهودهم في خدمة المجتمع وتحسين بيئته، يجدون أنفسهم مدفوعين إلى حافة اليأس بسبب عدم تقاضيهم رواتبهم لأشهر متتالية، مما يزيد العبء على كاهلهم، بحيث يصبح من الصعب عليهم تلبية حاجاتهم الأساسية وحاجات عائلاتهم، ما يضعهم في حال من الضياع والقلق المستمر، متسائلين عن سبل مواجهة متطلبات الحياة اليومية من دون تلقي أجورهم المستحقة وينتظرون بصبر مرير عودة حقوقهم المالية المشروعة.
بلا رواتب منذ 8 أشهر
بكلمات تنبعث من القلب، تشرح الموظفة في الاتحاد ابتسام الحريري الظروف القاسية التي يواجهها الموظفون بسبب عدم تقاضيهم رواتبهم لثمانية أشهر متتالية. وتؤكد "أن الموظفين لن يبقوا مكتوفي الأيدي بعد الآن، بل اتخذوا قرارًا بإضراب مفتوح وتعليق العمل، حتى تحل أزمتهم وصرف رواتبهم..
وأضافت: "ومنذ بداية الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، وعلى رغم فراغ صناديقنا لأكثر من ثمانية أشهر، استمررنا في العمل بصمود وصبر، وسط الظروف الصعبة، في انتظار العون الذي نأمله، وبقينا جنوداً نعمل من دون تأخير لتقديم أي خدمة الى أهلنا. لكننا اليوم وصلنا إلى مكان لا يمكننا تحمله، لهذا تجاوزنا فصول العام، من دون أن نذكر حتى ملامح مستقبل الصندوق البلدي، وها نحن لا نملك سوى العجز عن خدمة المجتمع وتأمين حياة كريمة لأسرنا".
وتشير إلى "خجل الموظفين إزاء توقفهم عن العمل من أهلهم وبخاصة رئيس الاتحاد الذي يهتم بمصلحتهم، مما يستدعي النظر في وضعهم من الجهات المعنية، ولا سيما منها وزارتي الداخلية والبلديات والمال، فحتى الأموال المتأخرة إذا حولت لا تحل مشكلة التراكمات التي تجاوزت في أرقامها مستحقات البلديات".
وتشدد على "أن من حقنا أن نحظى بحقوقنا كالقطاع العام، صوتنا يجب أن يصل الى المسؤولين، لأننا لم نعد نستطيع تحمل العبث بلقمة عيشنا المهدورة وعائلاتنا المحتاجة".
في ظل هذا الواقع المتردي، وتحميل البلديات مزيداً من الملفات الحيوية وفي طليعتها ملف النازحين، يدور التساؤل حيال مدى جدية الحكومة في معالجة أزمة البلديات. فالتعامل العشوائي والاستنسابي في ملف الرواتب في القطاع العام يُضعف صدقية أي خطوات حكومية لحل مشكلة البلديات. وإذا لم تتخذ الدولة إجراءات حاسمة لدعم هذه السلطات المحلية، فإن من المتوقع أن تعلن البلديات اللبنانية إفلاسها في المرحلة المقبلة.