الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

أين الفرسان والحنّة و"القَيمة" والدبكة... وماذا بقي من العرس التراثي البعلبكي؟ (بالصور والفيديو)

المصدر: "النهار"
حلقة دبكة.
حلقة دبكة.
A+ A-
وسام اسماعيل

في قلب سهل البقاع، تتربع بعلبك مدينة الشمس التي تزخر بتراث ثقافي عريق كنزاً يتلألأ عبر مئات السنين. بالرغم من الصعاب التي واجهتها، حافظت بعلبك على هويتها المتميّزة وتقاليدها الأصيلة التي باتت اليوم مصدر فخر وإلهام لأبنائها. هذه "الصحوة البعلبكية" تجسّد التزام سكان المدينة بإرثهم الثقافي والعمل على نقله إلى الأجيال المقبلة.

بعيداً من ضوضاء الحياة وتحدياتها، وبالرغم من الضغوط الاقتصادية التي يواجهها اللبنانيون، يظلّ العرس البعلبكي محافظاً على سحره وتميّزه كفرصة للالتقاء والتواصل بين الأهالي على اختلاف طوائفهم وطبقاتهم الاجتماعية، ولوحة تراثية حيّة، تتضمّن طقوساً ريفيّة متوارثة، كالحناء والرقصات الشعبية (الدبكة) حلقة الوصل بين الأجيال التي تجسّد جذور المجتمع البعلبكي.

في يومنا هذا، تؤدّي نوادي حفظ التراث دوراً محورياً في المحافظة على الهوية الثقافية لبعلبك، ففيها تجتمع الأجيال لتتشارك المعارف والمهارات التقليدية والطقوس الشعبية. وهي ليست مجرد أماكن للترفيه، بل مراكز حيّة لإعادة إحياء تقاليد الماضي، وغرسها في الأجيال الصاعدة.

هيثم الدبس
هناك الكثير ممن يعملون جدياً لحفظ هذا التراث ونقله، وفق ما يؤكّد رئيس جمعية هياكل بعلبك هيثم الدبس في لقاء مع "النهار" لتسليط الضوء على أهمية هذا التراث. ويقول "في ظل المناخ الأخلاقي المضطرب، كان لزاماً علينا أن نسلّط الضوء على الجوانب المشرقة من ثقافتنا. فبعلبك ليست مجرد معابد وهياكل، بل تراث أصيل علينا المحافظة عليه. وقد بدأنا، منذ عام 1990، بمجموعة لا يتخطى عدد أفرادها أصابع اليد، وبجهود التعاونية، بإحياء هذا التراث من خلال الدبكة والموسيقى الشعبية، وتقديمها بصورتها الأصيلة والجميلة".

ويضيف: "نجحنا في نقل تراث أجدادنا، الذين كانوا قلة، إلى شبابنا وأطفالنا، فأعدنا إحياء العرس التراثي البعلبكي، فانتشرت هذه الممارسات في المدارس والمعاهد، وانتقلت إلى المناطق اللبنانية المختلفة، حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من البرامج الإذاعية. في بعلبك نفسها، هناك أكثر من 10 فرق تعمل على إحياء طقوس الأعراس البعلبكية الأصيلة، وتشارك في المهرجانات التراثية التي مثلت لبنان في عدد من دول العالم".

ويلفت الى "أن العرس البعلبكي يتميز بمراحل عدة، أبرزها طقوس الحِنّاء، التي أعدنا من خلالها إحياء الأناشيد القديمة والزيّ العربي الأصيل. ونلاحظ اليوم فئة شبابية متحمّسة لارتداء هذا الزيّ في المناسبات المختلفة، كما أن هذه الجهود ساهمت في خلق فرص عمل لمئات الشباب والمسنّين على حدّ سواء، راقصين وعازفين وأصحاب آلات موسيقية تقليدية. وما هو أهم من ذلك الأثر الاجتماعي الإيجابي، بحيث تتشابك أيدي الأهالي بفرح وسعادة في الدبكة والاحتفالات التراثية التي باتت مشاركة جماعية تعكس اللحمة بين أبناء بعلبك".
 
 

علي حليحل
بالعودة إلى الأصول، يرى الفنان علي حليحل، الذي يُعرف بأنه "فارس الأصالة والتراث"، أن "الكثير من المشهديات التراثية غابت عن أفراحنا وأعراسنا، إذ كانت الأعراس في الماضي تجمع جميع سكّان البلدة، وكانت متطلّباتها مختلفة تمامًا عن الأعراس الحديثة. تستمرّ الأعراس عادة سبعة أيام متواصلة، اعتماداً على قدرة العريس المادية. فإذا كان العريس فقير مادياً، ولم يتمكّن من إتمام عمله في الحقل في الوقت المناسب، كانت تقام له "الجورعة"، إذ يطلب مختار البلدة إلى الأهالي مساعدته".

ويقول: "العرس القديم يبدأ بتحضير مكان التجمّع، حيث تُوضع سلالم خشبيّة تُغطّى بالأقمشة لتصبح مقاعد للضيوف. ويحضر عازفو المجوز والمنجيرة والطبل لتبدأ الدبكة في الساحة المخصصة. أما النساء، فلا يختلطن بالرجال، بل يراقبن من بعيد أو من أسطح المنازل. وعندما يرقص العريس أو أيّ وجيه في العرس، تُطلق النساء الزغاريد. وعندما يغادر الغرباء، تنضم النساء إلى أقاربهن في الرقص".

ويضيف: "كان االفرسان الضيوف يجلبون الهدايا، وغالبا ما تكون ذبائح. ويذبح الحيوان عادة أمام جباه الضيوف تكريماً لهم، ويقدم إليهم مع إعلان اسم المتبرّع. ويبدأ الطهو في الصباح الباكر، على أن يكون البرغل أكثر الأطعمة استخداماً ويسمّى "مدسوتة". توزع "المدسوتة" على الضيوف في أوانٍ نحاسيّة تسمّى "انغري". وعندما تقدّم، ترتفع زغاريد النساء احتفالا بالأجواء البهيجة. وتسبق العرس عراضة الخبز، حيث تشارك النساء في تحضيره في تنانير (جمع تنّور) الحيّ. وعندما يحضر، يحملنه إلى مكان الزفاف. وكان للحطب المستخدم في الخبز عاداته الخاصّة، حيث يتوجّه فريق من الرجال على الجمال نحو الجبل لتقطيع الأخشاب التي يصنعون منها "عروسة الحطابة" فتُزيّن وتُرفع في المقدّمة. وعند عودتهم، يرسل أهل العريس فارساً ينتظرهم عند مدخل البلدة ليُعلم الناس بقدومهم. وعندما يصلون إلى منزل العريس، تنطلق الزغاريد ويبدأ تحضير الطعام.

الحِنّة
تعدّ عجينة الحِنّة قبل الليلة الأخيرة من الزفاف، وهي نوع من البركة لها العديد من العادات بسبب رمزيتها. يستخدم الحِنّاء فقط في التزيين والمناسبات السعيدة، حيث كان معظم الحاضرين يتحنّون، خلافاً للوقت الحاضر إذ يقتصر الأمر على العروس والعريس فقط. وفي خلال الحِنّاء، تقدم الهدايا المالية، يليها تقديم الكبة المعروفة باسم "كبة العريس" التي تُعدّ أقراصاً في داخل التنور".

يتابع: "يحضر الخيّالة من بداية مراسم العرس، ويجتمع الفرسان في مكان واحد، بينما يعتني ذوو العريس بخيولهم ويوفرون لها الطعام. ويعتبر الفرسان ضيوفاً طوال مدة العرس. اليوم، يختلف مفهوم عراضة الخيل عن الماضي، فقد كانت تقام في ميدان خاص يسمى "الجريد". ينقسم الفرسان إلى مجموعتين، كلّ مجموعة تقف في صف واحد، وتسمّى الوقفة "الريشة". هناك ينافسون بعضهم بعضاً بأشكال مختلفة، بما في ذلك المبارزة والسباق والتباهي. كذلك ينادون بعضهم البعض باسم حصان كلّ منهم، الذي يُعرف بلونه وأصله. وكانت الخيل التي تفوز تحصل على هدايا، توضع على رأس رمح، فيما الحصان الذي يركبه العريس هو الذي ينقل العروس إلى منزل أهلها".

يتابع: "عند وصول العريس إلى منزل العروس، عليه المرور بطقوس "القَيمة"، حيث يجب أن يحمل جرناً حجريّاً ثقيلًا على قاعدة خشبيّة بيد واحدة. وعندما يتجاوز التحدّي، يحتفل ذووه بقوته ويدخلون على العروس بعد استئذان أهلها، ثمّ يعود العريس على حصان أو ناقة، و"يسرق" أحد أقاربه غرضاً من منزل العروس، مثل طنجرة أو ما شابه".

ويرى حليحل أن "دبكات الأعراس اليوم تختلف اختلافاً كبيراً عن الماضي، إذ فقدت الكثير من أصالتها". ويشدّد على "أهمية المحافظة على العادات الأصيلة بطريقة صحيحة"، مبدياً استعداده لـ"تقديم يد العون إلى من يرغب في اتقان هذه العادات والمحافظة عليها. ومن أهمها الدبكات التي تسمى (البداوية، الشمالية، العرجا، الكرادية المعروفة بالزينو، البعلبكية، الطيراوية والعسكرية)".
 

في بعلبك، تتجلى صحوة ثقافية تعكس التزام أهلها بالمحافظة على هويتهم التراثية والعمل على إحيائها وتناقلها بطريقة صحيحة. ومن خلال الاحتفالات الشعبية والنوادي الثقافية، يتمكن هؤلاء من حفظ جذورهم العميقة والمساهمة في بناء مستقبل يزهو بروح التراث والهوية الأصيلة.
 


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم