الجميزة ومار مخايل، ليستا مجرد منطقتين في العاصمةبيروت. تلقتا في عمقهما الحجم الأكبر من دمار انفجار 4 آب الدامي، لكن أبتا إلّا أن تحافظا على هويتيها المفعمتين بالحياة، بدليل قطاع الضيافة فيهما، والذي أوصل رسالة أقوى من الدمار باستمراره وتوسّعه.
"كانت الجميزة ومار مخايل وجهة سياحية للمقيمين والعرب والأجانب، لكنّها دُمّرت بالكامل"، بهذه الكلمات يتذكّر نائب نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري خالد نزهة ما حلّ في قطاع المطاعم في يوم 4 آب.
عانى أصحاب المؤسسات بشكل كبير. وقامت حينهاالنقابة بالتنسيق والتعاون مع بعض المنظمات ومحافظ بيروت والجمعيات الأهلية، للبدء بترميم المؤسساتالمطعمية، التي دُمَّرت بالتزامن مع انهيار صحي ومالي وتضخم كبير، "لكن قطاع الضيافة استعاد قوته، لا بل رجّعنا آلاف اللبنانيين من أصحاب المهن في هذا القطاع الذين هاجروا بعد أزمة 2019"، وفق نزهة.
فبعدما أنقذت ألين كامكيان، صاحبة مطعم Mayrigفي الجميزة، والذي دُمّر بالكامل، فريق عملها وأوصلت المصابين منهم إلى المستشفيات، عادت إلى المطعم ليل الانفجار عند الساعة الـ 5:30 فجراً، واتصلت بالمتعهد،وقالت له: "أريد منك أن تعيد المطعم كما كان بغضون ثلاثةأيام". فوجئ المتعهد وأجابها: "أنت لا تعين ما تقولين ولا حجم ما حصل". كان جوابها: "لست أنا مَن اخترت ما حدث لي، ولا يمكن لأحد أن يفجّرني ويجبرني على إقفال المحل لا سيما وأنّه يعتاش منه على الأقلّ 30 عائلة".
كذلك، إتيان صباغ، صاحب مطعم Baron في مار مخايل، والذي دُمّر بالكامل أيضاً، يروي أنّ أحد زبائن المحل اتصل به يوم الانفجار عند الـ 10 ليلاً، وعرض مساعدته بإرسال شاحنات لتبقى بتصرف إتيان لأسبوعين ريثما يتخلّص من الدمار في محله ويتخلص الشارع من الدمار، ليعيد فتح محله، و"بدأت تنظيف المحل منذ اليوم الثاني على الانفجار بغية بنائه مجدداً، فهناك عائلات تعتاش من هذا المكان".
كان إتيان وألين من أوائل الأشخاص الذين فتحوا محلاتهم، كلّ في شارعه. ويتفق الاثنان على أنّه إذا ما حصل هذا الانفجار في أي بلد في العالم، سيحتاجون إلى نحو سنتين لتقييم ما حدث واستعادة قوتهم. "لكن بعد ثلاثة أيام في الجميزة كانت الطرقات نظيفة" تقول ألين بتعجّب.
برأي إتيان، "القطاع الخاص أثبت فعلاً قوته بصموده رغم كل ما حدث فيه". ويرى نزهة أنّ "مَن يتنقّل اليوم بين الجميزة ومار مخايل والواجهة البحرية، يشعر وكأنّ شيئاً لم يحلّ فيها لكن هذا الأمر كلّف اللبنانيين وأصحاب المؤسسات الكثير دون أي مساعدة من الدولة ورغم الكلفة التشغيلية الباهظة".
وفيما فتحت معظم المؤسسات مجدداً، مؤسسات سياحيةجديدة اختارت هذه المناطق موقعاً لها. "نرى أملاً جديداًوإرادة صلبة وتصميماً لدى أصحاب المؤسسات على عدم الاستسلام، فلو قرروا الإقفال لكانت الصورة سوداء اليوم"، يقول نزهة.
وبنظر ألين كامكيان أيضاً، "شارع الجميزة اليوم كما لم يحدث فيه لا انفجار ولا أزمة اقتصادية، وهنا تكمن قوةاللبناني، فهو يحب الحياة وحبّه للحياة يجعله يتقدّم".
وعادت الجميزة ومار مخايل إلى الخارطة السياحية مرةأخرى بعد الانفجار، على ما يقول إتيان، وعاد نحو 80 في المئة من المؤسسات السياحية، و"صحيح أنّ الجرح موجود، لكنّنا نستمرّ بالتفكير في الغد، ولا نقبل أن نتركالجميزة وما مخايل تموتان".