تبقى غابة الأرز في بشري محطّ أنظار السياح المحليين والأجانب، وهي بالرغم من تراجع الأعداد في هذا الصيف قياساً بالأعوام السابقة، بسبب الخوف السائد في لبنان من احتمال توسّع الحرب في الجنوب، تشهد توافداً مستمراً للزوّار الذين يقصدونها للتعرف عليها، وممارسة هواية المشي فيها، أو تفقد الغابات الجديدة الآخذة بالانتشار حولها من كلّ الجهات.
ولا بد من الإشارة إلى أن "لجنة أصدقاء غابة الأرز"، وهي العين الساهرة عليها، أخذت على عاتقها توسيعها عبر غرس المزيد من الشتول سنوياً، وربط هذه الغابة الدهرية بجارتيها في إهدن وتنورين، بالتعاون مع البلديّات المعنيّة ولجان المحميّات الغيورة على استمرار الأرز الرمز مكلّلاً القمم العالية، هامة لبنان.
ورشة عمل دائمة
اللجنة لا تألو جهداً كلّ عام في تنظيف الممرات في داخل الغابة مع رفع مخلّفات الشتاء والعواصف، وتأمين الريّ، وزرع مزيد من الأغراس المؤصّلة المجمّعة بذورها من الغابة، والمنقولة إلى المشتل، حيث تخضع للاهتمام والعناية، ثم تُنقل بعد أن تصبح في عمر معيّن لزرعها في الأماكن التي تحدّدها اللجنة سنوياً، من أجل توسيع الغابة وزيادة عدد الأشجار فيها بشكل مدروس ومنظّم.
ممرات المشي في الغابة محدّدة، ولا يمكن للزوار الخروج عليها، وهي بطول حوالَي 1200 متر. ويقوم العمال بصيانتها بعد كلّ شتاء، وعند الضرورة، حفاظاً على سلامة الزوار.
في الإطار، وزّعت اللجنة في الغابة ومحيطها عدداً من اللوحات الارشادية، خصوصاً في غابة أصدقاء أرز لبنان، التي تنتشر على مساحة خمسة ملايين متر، وتحذّر فيها من الصيد والرعي والتخييم والمشي العشوائي، وتذيّلها بعبارة: "رجاءً احترموا النظام لنكثر من الأخضر".
تراجع في عدد الزوّار
في تقرير بعنوان :"السياحة في انحدار"، تشير اللجنة إلى أن عدد زوّار غابة أرز الرب انخفض في النصف الأول من عام ٢٠٢٤ من ١٧١٦٠ زائراً إلى ٦٦٥١ زائراً بما نسبته ٦٢ في المئة أقلّ من السنة الماضية... والأسباب متعددة. لكن هذا ينذر بانحدار خطير لمداخيل السكان المحيطين بالغابة ممن يعتاشون على التدفّق السياحيّ.
وتقول اللجنة: "لن تنتهي مهمتنا بالتنظيف والتشحيل في الغابة، بل مهمتنا إبقاء الأخضر في المحيط كاملاً. ولهذا ننقل المياه من ينابيعها لنروي الحدائق في الساحات وعلى الطرق وفي الغابات أيضاً، ومسؤوليتنا ستبقى توسعة الأخضر أينما حلّ نظرنا".
لهذا، تعتني اللجنة بالحدائق في بشري، بالتعاون مع البلدية، لتبقيها خضراء نظيفة فتعكس وجه المنطقة الحضاريّ.
الفنان رودي رحمه حوّل بعض أشجار الغابة التي ضربها اليباس إلى تحف فنية، بعد أن أعمل إزميله فيها حفراً وصقلاً وتنعيماً، فأتت الأشجار المعمّرة بما تحمل على أغصانها من لوحات آية في الروعة والإبداع، إذ منحها نفحات نبض من قلبه ولمسات جمال من إبداعه.
تربض غابة أرز الرب في أحضان جبل المكمل، مشرفة على وادي قنوبين، فوق مساحة 102566 متراً مربعاً من التلال الوادعة والمنحدرات، وتغمرها الثلوج من منتصف فصل الخريف حتى أواخر الربيع.
أرز الرب... وأصدقاء الأرز
تقسم إلى ثلاثة أقسام: غابة الأرز الدهرية، غابة أرز الرب، وغابة أصدقاء أرز لبنان.
الغابة الدهرية حافظت على قداستها عبر الأجيال، أرزاتها الأقدم في لبنان، ويعتبر بعضها الأقدم في العالم. وهي الغابة الوحيدة في العالم التي تتفرّد بكنيسة التجلّي .
تحتضن أرزة العلم وأرزة الناطور، وأرزة لامارتين الذي زارها سنة 1832. وأرزة الرب هي أطول أشجار الأرز عمراً، وأضخمها حجماً، لذا دعيت أرزة الرّب. وأرزة القديسة تريزيا سميّت باسمها لمناسبة زيارة ذخائرها غابة الأرز في أيلول 2002.
تقع غابة أصدقاء أرز لبنان بمساحتها البالغة 227 هكتاراً على السّفح الغربيّ لجبل المكمل، وسط منحدرات منطقة أرز بشرّي. تبعد 400 مترٍ عن غابة الأرز الدهريّة. الهدف الأساسي من غابة أصدقاء أرز لبنان إعادة تحريج جبال لبنان التي أصبحت جرداء نتيجة الإهمال، والقطع، والرّعي الجائر والتلوّث، من خلال إعادة زرعها بشجر الأرز اللبناني، علمًا بأنّ انحسار الغطاء النباتي الذي يتفاقم حاليًا يؤثّر سلباً على الغابات.