بعد أيّام على اندلاعه انطفئ أخيراً حريق وادي جهنّم، هذا الحريق الذي ما هو إلا حلقة في مسلسل الحرائق والتعديات التي تضرب الوادي منذ سنوات وتمعن في القضاء على غاباته والتنوع البيولوجي فيه وتدمر مناظره الطبيعية، فما لا تنجح المقالع والكسارات بقضمه تفنيه الحرائق.
ووفق تقرير أعدّته مجموعة درب عكار البيئية عن هذا الحريق الذي كان اندلع مساء الاثنين الماضي، تبين بأنّه ناتج عن إقدام مجهولين على إطلاق النار العشوائي رصاصاً حارقاً باتجاه سفح الجبل في نقطة شديدة الوعورة ترتفع حوالي 200 متر عن الطريق الترابي أسفل الجبل، ومع صعوبة الوصول الى هذه النقطة توسع الحريق بشكل كبير باتجاه غابات بلدة مشمش، خاصة نهاري الثلاثاء والاربعاء، الامر الذي استلزم تدخّل طوافات الجيش اللبناني للمساعدة على إخماد النيران والتي عانت بشدة بعد أن غطّت سحب الدخان الكثيفة الوادي وحجبت معها أي إمكانيّة لاستهداف بؤر النار الاساسية، ليخمد الحريق بعد أن وصل الى فواصل طبيعية من الجروف الصخرية ويلتقي مع حريقي 2021 و 2023.
وتابع التقرير : "مع الساعات الاولى لاندلاع الحريق تم تفعيل غرفة العمليات في اتحاد بلديات جرد القيطع، بمتابعة من رئيس الاتحاد عبد الاله زكريا، وبالتنسيق مع المدير الاقليمي للدفاع المدني في حلبا خضر طالب، وبمشاركة فريق درب عكار لمكافحة حرائق الغابات وفريق المستجيب الاول في اتحاد بلديات جرد القيطع، وتم نصب البركة الخاصة بالطوافة من قبل الدفاع المدني الذي عمل على تغذيتها طيلة مدة الحريق بواسطة عدد من الآليات استقدمت من عدة مراكز . وتعذر التدخل الارضي لفرق الاطفاء بسبب الانهيارات الصخرية الكثيفة الناتجة عن انزلاق الصخور التي كانت مثبتة بالغطاء النباتي او بفعل تفتت الصخر الكلسي بفعل الحرارة، وبسبب الجروف الصخرية الهائلة والتضاريس الوعرة التي ترتفع من 700 حتى 1400 متر عن سطح البحر".
وأضاف: "بعد دراسة المعلومات الواردة من المجلس الوطني للبحوث العلمية حول شدة الخطر الناري وسرعة انتشار الحريق، والتخوف من تمدد النيران لما فوق الشير باتجاه غابة القطر، تحرك فريق درب عكار وفريق المستجيب الاول مدعومين بصهريج من بلدية مشمش بعد التنسيق مع رئيس بلديتها محمد بري، ووضع خطة عمل ميدانية لحماية المنازل الواقعة اعلى الشير، ولحسن الحظ فإن اندفاع الاهالي من آل الدهيبي والدالي، وضع حداً لتمدد النيران وأوقفها في وسط الشير بعد ان غامروا بحياتهم وواجهوا النيران بأيديهم العارية وبعض المعدات اليدوية وخراطيم مياه صغيرة".
العميد الركن هارون سيور قائد اللواء الثاني في الجيش اللبناني تابع الوضع اولاً بأول، بالتنسيق مع فرق الاطفاء وطوافات القوات الجوية التي يثبت طياروها انهم نخبة النخبة بعد ان قدموا اداءاً مميزاً رغم كثافة الدخان والتضاريس الصعبة وما رافقها من شدة رياح كانت تعيق عملهم.
وأشار التقرير الى أن الحزام الحراري Thermal belt الذي تشكل بفعل تضاريس الوادي حبس اطناناً من الانبعاثات وخنق الوادي والمنطقة بأكملها بالغازات التي امتدت على مساحة عشرات الكيلومترات المربعة امتدت حتى لما هو ابعد من البلدات المجاورة للحريق، ولو كان الغطاء النباتي اكثف لشهدنا سلوكاً انفجارياً للحريق ومعه كنّا لنعايش حريقاً كارثياً في تكرار لسيناريو حريق وادي عودين في العام 2021.
وبعد ثلاث ايام انطفئ الحريق أخيراً بعد أن قضى معه على 52 هكتاراً من غابات الصنوبر والسنديان ووصل حتى أشجار الدفران واللزاب المعمرة، وأطلق معه مئات الاطنان من الكربون المحتجز، ورغم طول مدة الحريق الاّ أن السيناريو السيء بامتداد الحريق الى غابة القطر تم تفاديه، ولكن لا احد يضمن عدم تكرر هكذا حرائق دون وجود رادع وعقاب لكل من تسول له نفسه افتعالها او التسبب بها.
وحذر التقرير من أن "أرقام هذا الموسم مقلقة للغاية، وقد نجونا فعلاً من عدة حرائق اسهم التعاون وتضافر الجهود في لجمعها قبل توسعها وتمددها، والاّ فقد كنا لنواجه نفس خسائر العام 2021 وربما اشد منها".