يعود همّ الأقساط في المدارس الخاصة إلى الواجهة في مستهلّ كلّ عام دراسي جديد، بعد سنوات أربع شهدت زيادات متتالية ونسبيّة بين الليرة اللبنانية والدولار، وصولاً إلى "دولرة شبه شاملة" اليوم.
هذه الزيادات لا تنطلق من حدّ أدنى موحّد، فثمّة عوامل عديدة تؤثّر على معدّل الأقساط بين مؤسسة تربوية وأخرى من جهة، وفي أفرع المؤسسة الواحدة أيضاً على النطاق الجغرافي للبنان، من جهة ثانية.
أبرز العوامل هو غياب سلسلة الرتب والرواتب التي من شأنها أن تُوحّد أجور الكادر التعليمي، وهذا يُعَدّ المسبّب الأول لزيادة الأقساط كلّ عام، إذ لا تزال الرواتب رهن قدرات كلّ مدرسة على حدة، ويجب أن تلحظ إمكانات الأهل لديها. ناهيك عن أنّ المؤسسات الخاصة لم تتعافَ بعدُ من تداعيات الأزمة الاقتصادية عام 2019، وتالياً لا تزال الرواتب أقلّ ممّا كانت عليه سابقاً.
وقُبيل أسابيع قليلة على انطلاق العام الدراسي في لبنان، وفق الروزنامة السنوية للمدارس، إلّا في حال التصعيد الأمني الذي سيُحتّم على المعنيين تعديلها، تجول "النهار" على أربع مؤسسات تربوية كُبرى في لبنان: المدارس الكاثوليكية، المدارس الإنجيلية، "جمعية المقاصد الإسلامية"، و"جمعية المبرات الخيرية"، كعيّنة عن المدارس الخاصة، لتستطلع معدّل الأقساط لديها، وتحضيراتها للعام الجديد.
المدارس الكاثوليكية
تنطلق أقساط المدارس الكاثوليكية هذا العام من واقع العام الماضي، حينما كان معدّل رواتب المعلمين بمتوسط 35 في المئة من معدّله ما قبل الأزمة، أمّا اليوم، فباتت نقابة المعلمين تُطالب بمضاعفة هذه الرواتب، ما أرغم المدارس الكاثوليكية على زيادة أقساطها بمعدّلات متفاوتة.
منذ حزيران الماضي، حرصت المدارس الكاثوليكية على إعلان أقساطها باكراً ليتسنّى للأهل البحث عمّا يُناسبهم، سعياً إلى التكيّف مع الواقع الجديد.
يُفنّد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، الأب يوسف نصر، الأقساط هذا العام، ويقول: "الشريحة الكبرى من مدارسنا مجانية وصغيرة وريفية، وكان يبلغ متوسّط أقساطها 500 دولار سابقاً، وسيصل الآن إلى ألف دولار. أمّا الشريحة الأخرى والتي تضمّ تنوّعاً اجتماعيّاً، فكان معدّلها ألف دولار العام الماضي، وسيتراوح اليوم بين 1800 إلى 2000 دولار".
وثمّة أفرع للمدارس الكاثوليكية متعارف عليها بأقساطها المرتفعة مثل مدرستَي عينطورة والشانفيل، "نظراً لاستقطابها طبقة غنيّة"، وفق نصر، وسيصل متوسط أقساطها إلى 3 آلاف دولار.
الزيادات على الأقساط لم تمنَع الأهالي من المباشرة في تسجيل أولادهم، إذ لم يلحظ نصر "تغييرات جذرية في مسار التسجيل، والأمور لا تزال ثابتة كالأعوام السابقة"، مضيفاً لـ"النهار": "أشعر أنّ الناس تسعى للتأقلم مع واقع المدارس، والإدارات تجهد للحفاظ على تنوّع الأهالي أيضاً، كما أنّ تعاونية الموظفين أعطت منحة مدرسية تفوق الألف دولار فأراحت القطاع العام".
المدارس الإنجيلية
لا تختلف الأقساط في المدارس الإنجيلية كثيراً عمّا هي عليه في الكاثوليكية، إلّا أنّ الهمّ الأساسي لأمينها العام نبيل قسطا، هذا العام، يتمحور حول "التعاون لإعادة المستوى الأكاديمي إلى ما كان عليه سابقاً، وتشجيع الأساتذة وتحفيز معاشاتهم، إضافة إلى إراحة الطلاب عبر برامج تعليمية متطوّرة"، وهذا ما يتطلّب زيادة في الأقساط ويفرض على المؤسسة تكاليف إضافية، بعد تراجع أكاديمي كبير بسبب هجرة الأساتذة، تزامناً مع أزمتَي كورونا والحرب الحالية.
يبدأ قسطا حديثه لـ"النهار" بعبارة "الله يساعد الأهل"، ويقول إنّ "معدّل الأقساط هذا العام سيتراوح بين 2500 دولار إلى 3000 و3200 دولار بحسب الفئة التعليمية، وقد لحظنا زيادة بين 30 إلى 40 في المئة عن العام الماضي".
التكاليف التشغيلية للمؤسسة فرضت هذه الزيادة بالدولار، إذ "نشتري المياه والمازوت في مدراس المصيطبة والأشرفية مثلاً، إضافة إلى كلفة الإنترنت"، بحسب قسطا، لكنّه يشدّد على "العلاقة الوطيدة" مع أولياء الأمور ولجان الأهل في المدارس الإنجيلية، ولا ينفي أنّ الأهل "ليسوا متقبّلين لهذا الواقع، وأولهم أنا، لكنّنا مرغمون".
وبالرغم من "عدم تقبّل" الزيادات المفروضة على الأقساط، إلّا أنّ مسار التسجيل في الأشهر الماضية بدا "مستغرباً" وفق قسطا: "أستغرب وأقدّر أنّ التسجيل هذا العام أعلى من السنوات الماضية، وأتمنّى لو تُتاح المدارس الخاصة لجميع الفئات أو أن يكون هناك مدارس رسمية مجانية".
"جمعية المقاصد الإسلامية"
تتصدّر "جمعية المقاصد الإسلامية" لائحة المدارس ذات الأقساط الأعلى في هذه العينة، خصوصاً في مدرستها "خالد بن الوليد" في بيروت، إذ يصل قسطها السنوي إلى 6000 دولار، أو أكثر من ذلك بقليل أيضاً، لكنّها تُموّل الأفرع الأخرى للجمعية.
لدى "المقاصد" عشرات الأفرع في لبنان الموزّعة وفقاً للفئات الاجتماعية، إذ إنّ 48 في المئة من مدارسها ذات أقساط منخفضة وتلائم الطبقة العادية في المجتمع، كما تحظى بمساعدات وتبرّعات، و30 في المئة معروفة بأقساطها المتوسطة والمقبولة لفئة أخرى.
في السؤال عن أقساط العام الدراسي الجديد، يشرح المدير العام لـ"المقاصد"، الدكتور فيصل سنّو، لـ"النهار"، بالأرقام قائلاً: "تتراوح أقساط عدد من المدارس بين 800 دولار و1500 دولار بحسب المرحلة التعليمية، وأخرى بين 1200 و2000 دولار، إضافة إلى مدرستَين فقط تبلغ أقساطهما ما بين 2500 و4 آلاف دولار"، وتُعَدّان من الأغلى أيضاً في "جمعية المقاصد".
لا تفاوت في المستوى التعليمي بين هذه المدارس، إلّا أنّ الفارق فقط هو الخدمات المقدَّمة. ويؤكد سنّو أنّ "بعض الأهالي القادرين ماديّاً يفضّلون تسجيل أولادهم في مدرسة تُقدّم خدمات ونشاطات متنوّعة، ولديها مرافق وملاعب إضافية".
حتى منتصف آب، لا يزال التسجيل في "المقاصد" محافظاً على معدّله السنوي في غالبية الأفرع، أمّا في مدارسها ذات الأقساط الباهظة، فالتسجيل منخفض حتى الآن، وعادة ما يكتمل مع نهاية الشهر.
يعتبر سنّو أنّنا نعيش "ظلماً اجتماعيّاً" بين الدخل والمصروف وكلفة الحياة في البلد، فـ"المدارس وأعضاء هيئة التدريس والأهالي جميعاً في حالة تعب، والمعلّم يحتاج إلى راتب يمنحه القدرة على العيش بالحدّ الأدنى"، ويضيف: "نحتسب رواتب الأساتذة أولاً، ونضع على أساسها الأقساط، إضافة إلى تكاليف الكهرباء والتنظيف والحراسة وغيرها من الخدمات".
"جمعية المبرات الخيرية"
في شأن "جمعية المبرات الخيرية" لناحية أقساط العام الدراسي 2025، وبالرغم من الزيادات كسائر المدارس الخاصة، لم تتجاوز أقساطها الـ1800 دولار في مختلف المناطق اللبنانية. وفي حديث لـ"النهار"، يشرح المدير العام لـ"المبرات" الدكتور محمد باقر فضل الله الإجراء هذا العام، بالقول: "تتراوح أقساطنا ما بين ألف دولار و1800 دولار، في معدّل يسمح بسدّ رواتب المعلمين ومصاريف المدرسة، وبعدما ارتفعت الأجور بين 60 إلى 70 في المئة، انعكس ذلك على زيادة الأقساط ما بين 40 و50 في المئة عن العام السابق".
التفاوت في أقساط "المبرات" يعود إلى الموقع الجغرافي لكلّ مؤسسة وما تتطلّبه من تكاليف تشغيلية، فيما تحظى مدرستَا بنت جبيل والخيام بالقدر الأكبر من المساعدات الخيرية، بعدما أمّنت الإدارة العامة للجمعية مباني بديلة لطلابها في صور والنبطية وبيروت، ما يسمح لهم بمتابعة تعليمهم حضوريّاً إلى حين انتهاء الحرب.
ويضيف فضل الله: "ندعم نحو 30 في المئة من أولياء الأمور المتعثّرين"، مؤكداً أنّ "الأقساط لن تتغيّر خلال العام الدراسي، ونحن ملتزمون بهذا المبلغ". أمّا عن رواتب الكادر التعليمي، فيشدّد على أنّ "راتب الـ500 دولار لم يعد كافياً، وباتت الرواتب تتراوح اليوم في المبرات بين ألف دولار و1200 دولار، وهذا ما انسحب على زيادات الأقساط مع دولرة المعيشة في لبنان".
العلاقة بين وزارة التربية واتحاد المؤسّسات التربوية الخاصة
الاتجاه العام لـ"دولرة الأقساط" بشكل كامل في المدارس الخاصة، أو إقرار زيادات كبيرة على كاهل الأهالي، إجراء "لا يحظى برضا وزارة التربية"، بحسب منسّق اتحاد المؤسّسات التربوية الخاصّة الأب يوسف نصر، واصفاً العلاقة مع الوزارة بـ"التفاهم عن بعد، فكلّ منّا يقوم بمسؤوليته، ونعلم أنّ الوزارة ليست راضية عن هذا الواقع لأنّه خارج عن القوانين، لكن ليس هناك أيّ حلّ للحفاظ على مدراسنا".
ووسط التحديات التي لا تزال تعصف بالقطاع التربوي، سيبقى اتحاد المؤسسات الخاصة في حالة تشاور دائم، إذ "نحاول ترقيع الأمور بانتظار صدور تشريع قوانين جديدة، فالقوانين اليوم لا تسمح للمدرسة الخاصة بالوقوف على قدميها، إذ لا تزال تُسعّر على الـ1500 ليرة".
عام دراسيّ خامس يطرق باب المؤسسة التربوية، فيما لا يزال الواقع مضطرباً ويحاول التعافي تدريجيّاً من أزمات متلاحقة، آخرها التهديد الأمني أيضاً، والذي قد يحول دون انطلاقة صحية بعد أسابيع، أو قد يهدّد بانقطاع التلامذة عن التعليم في أيّة لحظة.