عمّمت المديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي مؤخراً، بناءً على إشارة القضاء المختص، صورة شخص أوقفته فصيلة برمانا بجرم احتيال وتزوير واستعمال مزوّر، يدعى أ. ع. (من مواليد عام 1978، لبناني)، الملقّب بـ " Amadeus-Ask the wolf" لقيامه بإيهام عددٍ كبيرٍ من الأشخاص -يفوق المائة شخص- بتنظيم مشاريع موقّعة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، تفوق قيمتها ثلاثة ملايين دولار أميركي، ليتبيّن لاحقاً أنّها مشاريع وهميّة والعقود مزوّرة.
وطلبت من الذين وقعوا ضحيّة أعماله وتعرفوا إليه، الحضور الى مركز مفرزة بيروت القضائية الكائن في ثكنة بربر الخازن - فردان، أو إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكيّة الفكريّة في وحدة الشّرطة القضائيّة الكائن في محلّة بولفار كميل شمعون، أو الاتّصال على أحد الأرقام التّالية: 810170-01 – 810171-01 - 293293-01 تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونيّة اللّازمة.
لم تكن هذه العمليّة الأولى من نوعها، إذ سبق لقوى الأمن أن أوقفت منتحل صفة موظّفاً في وزارة التربية لادعائه بإمكانيّة المساعدة بإنجاح الطلاب في الامتحانات الرسمية، ومنتحل صفة آخر موظّفاً بوزارة الشؤون الاجتماعيّة وغيرهما.
كثرت في الآونة الأخيرة الشكاوى المقدّمة من قبل المواطنين حول تعرضهم لأعمال نصب واحتيال عبر الإنترنت، إن كان عبر إضافتهم كأصدقاء على أحد مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك أو تويتر...) أو عبر تطبيقات الهواتف (واتساب، فايبر وتلغرام وغيرها).
وبالرغم من تنبيهات قوى الأمن من الوقوع ضحيّة منتحلي صفة موظّفين أو أصحاب شركات أو وسطاء لتأمين الوظائف، والتحذيرات من التواصل مع أشخاص مجهولين عبر مواقع التواصل، ما يزال عدد كبير من المواطنين يقع في فخّ هؤلاء.
لا أرقام دقيقة لعدد المواطنين الذين تعرّضوا لهكذا أعمال، كما لا أرقام دقيقة لعدد الحسابات أو الصفحات المسؤولة عن هذا الجرم. وفي هذا الصدد، يشدّد مصدر أمني لـ"النهار" على أهميّة دور وسائل الإعلام وكذلك المؤثّرين في مواقع التواصل في نشر حملات التوعية للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس لما فيه من مصلحة عامة.
ويؤكّد على أهميّة تقديم شكوى والتبليغ فور التعرّض لعمليّة نصب عبر الإنترنت أو الاشتباه بمحتوى ما.
يترصّد المجرمون ضحاياهم عبر وسائل الاتصال والتواصل، برسائل منمّقة تجتذب شريحة كبيرة من المواطنين وتبشرهم بالربح السريع والعروض السخيّة والأسعار المغرية. فوضى جعلت روّاد مواقع التواصل فريسة لشركات وهمية ومحتالين.
"وظيفة بدوام جزئي يمكنك القيام بها في وقت فراغك براتب يتراوح ما بين 30 دولاراً إلى 1600 دولار ويتم دفعها إلى محفظتك خلال 5 دقائق". هذا نص رسالة وصلت إلى م. ك الذي أكّد في حديثه لـ"النهار" أن أحد أصدقائه وصلته الرسالة عينها.
لم يرد م. ك. على الرسالة لعلمه أنّها إمّا عمليّة نصب أو تجنيد عمالة، بحسب قوله.
في بداية حياته المهنية في مجال الكتابة والترجمة، تواصل م.م. عن طريق صفحة على مواقع التوصل الاجتماعي مع شخص قيل إنه يعمل في إحدى الدول العربية. عمل لمدّة شهر دون عقد عمل أو ورقة رسميّة، وبعد إتمام المهمّة الموكلة إليه لم يحصل على البدل المادّي المتفق عليه. وقيل له إنّ الشركة أقفلت أبوابها.
حادثة أخرى يرويها م.م. لـ"النهار"، إذ تواصل معه أحد الأشخاص عبر "تلغرام" وطلب منه ترجمة عدد من النصوص لقاء 3000 دولار. وبعد أنّ أنهى الترجمة طُلب منه تحويل 60 دولاراً بحجّة تفعيل حساب له في الشركة قبيل استلام المبلغ المتفق عليه.
يأسف م.م للجهد والوقت الذي أهدره بدون مقابل ويقول "باللبناني تطربشت".
عبر البريد الإلكتروني Doubara<[email protected]>، شاركت س. ط. في مشاريع عدّة كانت قد اطّلعت عليها عبر تطبيق "تلغرام". اختيار المشروع يكون مشروطاً بدفع مبلغ مالي، يوهم بعده أصحاب المشروع المفترض المشاركين بآلاف الدولارات كما يطلبون تصوير جواز السفر والبطاقة المصرفية لسحب المعلومات الشخصية.
تشير س. ط. التي وقعت مرّات عدّة في فخّ هؤلاء إلى أنها شاركت في أكثر من مشروع دون مقابل مادّي، وأنّ التواصل كان دائماً عبر تطبيق "تلغرام"وليس عبر البريد الإلكتروني.
كيف يتم تعقّب هؤلاء أو ما يُعرف بالـ tracking؟
خبير التحول الرقمي رامز القرا يشرح لـ"النهار" كيف تتعقّب الجهات الأمنية تقنياً هؤلاء، قائلاً إنّ أي شخص موصول بالإنترنت لديه ما يُعرف بالـ digital footprint أو الـIP وغيرها.
تقوم الجهات المعنيّة بالبحث عن digital footprint لتحديد النقطة التي تتم عبرها الـOPERATION، مثلاً من بيروت أو خارجها وأي شارع تحديداً للبناء على الشيء مقتضاه.
كما تعتمد الجهات الأمنيّة على بروتوكول الشركات الكبيرة كـ"فايسبوك" و"تويتر" وغيرها للحصول على المعلومات واكتشاف المجرمين.
أمّا الطريقة الثالثة، فهي من خلال المنشورات حيث يتم إجراء profiling ومراقبة التعليقات والإعجاب وتجميع الداتا لمعرفة الشخص وهو ما يعرف بالـ cyber forensic.
وقد تتم الاستعانة أيضاً بالذكاء الاصطناعي أو حتى بالإنتربول.
حاجة المواطنين والخريجين خصوصاً للوظيفة ورغبتهم في كسب العمل، في ظل تفشّي البطالة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشّة، جعلت من لبنان بيئة حاضنة لظاهرة مواقع التوظيف الوهمية، وساهمت في إيقاع الفريسة في شباك هؤلاء السماسرة بطريقة سهلة.
وبعيداً عن أبعاد تلك الشركات التي قد تكون عسكريّة وأمنيّة وسياسيّة، ووسيلة لتجنيد عملاء، هل يستحق الحصول على وظيفة العمر و"الفريش"كل هذه المجازفة؟